Monday, 28 December 2015

مفاوضون أشاوس..الحرب والسلام والهوية

انتهت في ٢٧ نوفمبر الماضي الجولة العاشرة للمفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية - قطاع الشمال بالتزامن مع الجولة الثانية للمسار الثاني للتفاوض مع حركات دارفور المسلحة دون التوصل الي نتائج ملموسة رغم الآمال التي انعقدت عليها. تجددت المفاوضات مرة أخرى بجولة غير رسمية منتصف ديسمبر الجاري انحصرت هذه المرة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال وحكومة السودان أنقذت الآمال لكن لم تفض هي الأخرى إلي تقدم يذكر سوي تجديد “عزم” الطرفين على تحقيق السلام، كل بصيغته، واستثارة حفيظة حلفاء الحركة الشعبية من حركات دارفور المسلحة إذ صرخ عنهم مني مناوي “صفقة ثنائية…صفقة ثنائية” أو رجس من عمل الشيطان!
الحقيقة أن الخلاف انعقد في عنوان التفاوض وتحذلق الجميع باللغة مبينين أن لهم شؤون ولعامة خلق الله شأن آخر، لا تربك ضمائرهم آهات الأمهات في ليل الحرب الطويل وهن يستسلمن لموت فلذات أكبادهن حيرى سوى من الأمل في رحمة الله. أما الأمل في حسن السياسة فالحق أنه انقطع منذ أمد بعيد، منذ أن استلت نخبة الحرب هذه، حاكمة ومعارضة، بنادق للحكم لما تعرف متى أو كيف تلجمها، كل يريد الفوز الكبير، ولا يشغله عن هذا المطلب شاغل سوى ربما متاعب حجز التذاكر من عاصمة إلى أخرى. 
قالت الحكومة من جانبها أن الحركة الشعبية لم تأت للتفاوض بجدية أو هكذا قال إبراهيم محمود، مساعد رئيس حزب المؤتمر الوطني ورئيس الوفد الحكومي المفاوض، في مقابلة مع قناة الشروق عقب عودته من الجولة الفاشلة. أصدر ياسر عرمان بياناً في ختام جولة نوفمبر مؤكدا أن المؤتمر الوطني جاء بلا عزم لإنهاء الأزمة الإنسانية في المنطقتين ودارفور. الحق أن القضية الإنسانية كما درجت تسمية الفظائع الناجمة عن استمرار النزاع المسلح، أي الموت الرخيص الذي يطبق بفكين غليظين على كل حي في مناطق النزاع إنسا كان أم وحشا أم زرعا، والأوصال المقطعة والنفوس المحطمة والحيوات المهدرة، أصبحت رهينة لحسابات الصيف العسكرية، وكذلك السكان، أهل المناطق المطلوب تحريرها أو تعميرها أو تنميتها بأي منطق أخذت، هم في هذا التصور عبء مصاحب للأرض يشكلون طرفا من الجغرافية إذا جاز التعبير أما التاريخ والمستقبل فحظيرة محروسة للمفاوضين الأشاوس.
طرحت الحكومة على الحركة الشعبية ما يشبه بيان استسلام غير مشروط، شجعها على ذلك ربما التحول في ميزان القوى العسكرية في المنطقتين إلى صالحها. تدرك الحكومة أن الإجهاز التام على الجيش الشعبي في المنطقتين هدف غير واقعي لكن سعيها حصار الجيش الشعبي ما استطاعت في موقع الدفاع والحد من قدرته على أي هجمات تستهدف المدن الرئيسة وطرق النقل ومناطق التعدين ومشاريع الزراعة الآلية. طرح المفاوض الحكومي تجديد الهدنة الإنسانية لمدة شهر يتم خلاله التفاوض على وقف شامل لإطلاق النار بما في ذلك إجراءات نزع سلاح وتسريح الجيش الشعبي وبالمرة القضايا السياسية التي تخص المنطقتين، كل ذلك بضمان انتشار القوات المسلحة السودانية على الحدود بين السودان وجنوب السودان ما يقطع الطريق على خطوط إمداد الجيش الشعبي “المحلول”. 
الحركة، ولا غرابة، رفضت الطرح الحكومي لكن قفزت أمامه بتجديد الدعوة إلى حل سياسي شامل على أساس “مؤتمر قومي دستوري” يجب حوار الرئيس البشير الوطني. أما بشأن القضية الإنسانية فقد جددت الحركة مطلبها بفتح منافذ للمساعدات الإنسانية تمر عبر حدود السودان مع جنوب السودان وأثيوبيا دون تدخل حكومي، مطلب رفضته الحكومة معيدة تأكيدها على السيادة وإصرارها أن تأت المساعدات عبر السودان. انتهت جولة نوفمبر هكذا، كل طرف أعاد على الإعلام سيل الاتهامات المعتادة. اكتفت الآلية الإفريقية بإعلان نهاية الجولة وتأسفت كما الأطراف المراقبة من الدول الغربية على فشل الطرفين في التقدم بشأن القضية الإنسانية.
شرحت الحركة الشعبية قطاع الشمال في البيان الذي صدر بعد انهيار الجولة أن الحكومة لا تنوي الالتزام بمطلوبات الحل السياسي الشامل ولا تريد أن توافق على وقف العدائيات. قالت الحركة أن وقف العدائيات شئ ووقف إطلاق النار شئ آخر، والشي بالشي. تمسكت الحكومة بأنها لا تقبل وقف عدائيات دون التوصل إلى ترتيبات أمنية تنتهي بحل الجيش الشعبي. بشأن مطلب الحركة توصيل الإغاثة عبر حدود السودان مع جنوب السودان وأثيوبيا قال إبراهيم محمود في حوار مع قناة الشروق أن الحكومة ترى عدم موضوعية هذا الطلب، فالإغاثة يجب أن تتم من داخل السودان، وهي لا تمانع أن تتولى الأمم المتحدة بإتفاق معها عملية الإشراف على توصيل الإغاثة والمساعدات الإنسانية لكن من داخل السودان. الأهم من ذلك لا ترى الحركة الشعبية حاجة الي وقف إطلاق نار دائم لإيصال المساعدات، فهي يمكن أن تتم ولو على طريقة “الممرات الآمنة”، العبارة التي تثير حفيظة الحكومة بأي صيغة أتت. 
يعود تاريخ العبارة إلى عملية “شريان الحياة” التي انطلقت في أول ١٩٨٩، وقتها استفادت الحركة الشعبية الأم من شريان الحياة الأممي عبر كينيا في مواجهة حكومة الصادق المهدي. كتب المرحوم جون قرنق خطاباً إلي جيمس قرانت المدير التنفيذي لليونسيف أثناء انعقاد المؤتمر العالمي عن الإغاثة العاجلة في الخرطوم، يدعوه إلى الاهتمام بالسكان في المناطق تحت سيطرة الحركة الشعبية. زعم قرنق وقتها أن ٩٠٪ من سكان جنوبي السودان في مناطق تحت سيطرة الجيش الشعبي. دعت الحركة الشعبية الأمم المتحدة إلى مناقشة ترتيبات الإغاثة إما بمؤتمر مماثل لمؤتمر الخرطوم. رفضت الحركة الشعبية المنتصرة في الميدان العسكري رفضا قاطعا أي وقف إطلاق النار وهي صاحبة النار الأكثر ضراوة واقترحت وقتها “ممرات آمنة” لتوصيل الإغاثة. 
لم تجد حكومة الصادق المهدي مخرجا من الضغط العالمي سوى القبول بالاقتراح الذي نشأت بموجبه عملية شريان الحياة بضلعين، ضلع ينطلق من الخرطوم وآخر من نيروبي ولوكيوشوكيو الكينية. تنظر الحكومة اليوم إلى هذه التجربة باعتبارها شهادة على ضعف حكومة السودان العسكري في مواجهة تمرد مسلح على سلطة الدولة وخرق فادح لسيادتها لا تتصور القبول بمثلها وهي في حالة تقدم عسكري علامته المادية محدودية المناطق التي يسيطر عليها الجيش الشعبي - قطاع الشمال الذي يقرأ في تقديرها من كراس الماضي. انتهت المحاججة في هذه النقطة إلي رفض الحكومة القاطع توصيل الإغاثة من محطات خارج السودان وإدعاء الحركة الشعبية قطاع الشمال على لسان مواطني المنطقتين، الذين دعتهم بهذه المناسبة من الجغرافية إلى التاريخ، أن إغاثة تأتي من الخرطوم مرفوضة ولو كانت المن والسلوى. 
حفزت قضية المساعدات مجموعة من الناشطين والأكاديميين ومنظمات المجتمع السوداني على تجديد الجنس الأدبي المفضل للبرجوازية الصغيرة السودانية - المذكرة - فعنونوا خطابا ضافيا بانجليزية صافية في ٧ ديسمبر الجاري ليس للشعب السوداني البطل وقواه الحية وإنما للرئيس الأميركي باراك أوباما وسكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون مفاده دعوة الإثنين للضغط على حكومة السودان حتى توافق علي توصيل الإغاثة عبر محاور خارجية. لم ينشغل أصحاب المذكرة بحقيقة أن عملية شريان الحياة كانت بالفعل سببا غير مباشر في إطالة أمد الحرب في جنوبي السودان ساهمت بقدر أو آخر في تعزيز استعدادات الجيش الشعبي القتالية وحررته إذا جاز التعبير من أى مسؤولية تجاه المواطنين تحت سيطرته الذي صاروا كما أهل المنطقتين اليوم جزءا من جغرافية الميدان العسكري. 
أقر حتى جون برندرقاست، حتى وقت قريب نصير الحركة الشعبية الأول في الولايات المتحدة وصاحب منظمة “كفاية”، في تقرير يعود إلى العام ١٩٩٧ أن عملية شريان الحياة وإن لم تطل “الأمد الطبيعي” للحرب فقد “كان لها أثر بالغ على مجرى القتال. عززت العملية في الفترة ١٩٨٩ إلي ١٩٩٢ قدرات الجيش الشعبي، ثم حقق الجيش الحكومي بعض التقدم في الفترة ١٩٩٢ إلى ١٩٩٥ عبر عمليات إغاثة كبيرة في الشمال ومنه بالإضافة إلى قطع الطريق على الإغاثة إلي مناطق بعينها خاصة خلال حملة الحكومة العسكرية عام ١٩٩٢ وغزواتها عام ١٩٩٥ على شمال بحر الغزال.” قال جيمس قرانت، مسؤول الأمم المتحدة عن الإغاثة وقتها، أن مسؤولياته انحصرت في الإغاثة ولم تشمل بأي حال من الأحوال النظر في أسباب النزاع وكيفية حله. قال لاري مينيار وتوماس فايس، كاتبان آخران حررا نقدا طويلا لعملية شريان الحياة عام ١٩٩٥، أن الأمم المتحدة أضاعت فرصا عديدة للمساهمة في التوصل إلى سلام في السودان. في ذات القضية، قال فيليب بوريل، منسق الأمم المتحدة للإغاثة في السودان، صراحة أن شريان الحياة ساهمت بدرجة أو أخرى في إشعال الصراع بالذات من خلال عمليات الإسقاط الجوي غير المتسقة. 
للطرافة، قال برندرقاست في تقريره عام ١٩٩٧ أن عمليات الإغاثة لم تحد من التدهور السياسي في السودان وأنما ساهمت فقط في إدارته. علل برندقاست هذا الدور السلبي بقوله أن عمليات العون الخارجي “تترك أثرا علي تفكير الناس فتجعلهم يتوقعون حلولا من الخارج.” كأن برندرقاست يرد هنا علي المذكرة المعنونة إلى أوباما وبان كي مون و”كفاية” بين موقعيها. كان أولى بأصحاب المذكرة أن ينظروا من موقع المستقل المشغول بالقضية الإنسانية في المنطقتين إلى مسألة الإغاثة وكيفية توصيلها دون الأخذ السريع بموقف طرف حربي ضد آخر، فربما ساهموا إذن في حلها وتوصيل الإغاثة فعلا لا المناجاة بها ضمن رهان سياسي على الحركة الشعبية قطاع الشمال باعتبارها الطرف الأولى بالمناصرة في حرب جغرافيتها المنطقتين. تتيح الانجليزية الصافية التي كُتبت بها المذكرة ضمن منافع أخرى الإطلاع على مباحث واسعة نقدية حول الحرب والسلام في السودان والعلاقة بين الحروب وعمليات الإغاثة بما في ذلك عملية شريان الحياة وتداعياتها، لكن كتاب المذكرة فضلوا السهو عن هذا الفرض شاغلهم أذن أوباما. 
لم تعد القضية الإنسانية، التي قال ياسر عرمان أنها أولى أولويات الحركة، إلى صدر التفاوض في المحادثات غير الرسمية التي انعقدت في منتصف ديسمبر. قال ياسر، الذي انتخب تلفزيون السودان من تصريحاته جانبا للعرض في نشرة الأخبار في خبطة دعائية، أن المحادثات كانت شفافة مؤكدا في رسالة إلي حلفاء الحركة الشعبية أنه طرح على الحكومة  حلا شاملا بديلا للحلول الجزئية مما يمكن جميع الأطراف أن تصبح جزءا من العملية السياسية. كرر ياسر أن قضية المنطقتين مرتبطة بالإصلاحات الهيكلية الشاملة في بنية الدولة السودانية وأن الحركة مستعدة للتفاوض بمشاركة الآخرين حول الترتيبات السياسية والأمنية الجديدة للمنطقتين بالارتباط والتزامن مع الحوار والحل السياسي الشامل. 
متى تركنا تجريد “الحل السياسي الشامل”، قرين “اتفاقية السلام الشامل” و”بسط الأمن الشامل” جانبا واتبعنا شيطان التفاصيل بان موضوع الحرب والتفاوض، مصير الفرقتين التاسعة والعاشرة في الجيش الشعبي لتحرير السودان الأم وفق وصف الحكومة أو الجيش الشعبي لتحرير السودان - قطاع الشمال في عبارة الحركة. قال ياسر عرمان في خطابه أن “الحركة الشعبية تطرح (قيام) جيش سوداني واحد مهني (…)، بدلا عن صيغة الجيشين التي طرحت نيفاشا مع ترتيبات أمنية جديدة انتقالية للجيش الشعبي في إطار هيكلة وإصلاحات الجيش الموحد.” 
يبدو للوهلة الأولى أن هذا الموقف ينسجم مع إصرار الحركة على رفض الحل الجزئي الذي يتخوف منه حلفاؤها، ويرونه بابا لصفقة ثنائية تحيل الحركة إلى شريك في الحكم وتترك سواها في عراء المعارضة. في هذا الخصوص، دعى ياسر قوى المعارضة مرة أخرى إلى “الاتفاق على رؤية موحدة حول مسار الحوار والتفاوض ونتائجه النهائية وعلاقته بالوسائل الأخرى” يقصد الوسائل الحربية، وهو الذي ظل يعيد ألا انفصام بين الصراع المسلح والانتفاضة الشعبية والتفاوض فجميعها وسائل هدفها “الحل السياسي الشامل”. استكانت قوى المعارضة لتزاوج المناهج هذا على طريقه كلو خير، لبن، سمك، تمر هندي أملها أن تسقط من هذه السماوات حكومة انتقالية تفعل الأفاعيل بالمؤتمر الوطني، كأن تاريخا طويلا من الاشتباك بين العمل المسلح والمدني، بين الانقلاب والعمل الجماهيري، بين صفوة الضباط والحركة الجماهيرية، لم يكن، وليس منه ما يستفاد، دع عنك الاشتباك بين القوى المدنية والحركة الشعبية الأم التي فازت بالدولة في جنوب السودان لتجدد الحرب حول السيطرة عليها.
ما معنى حديث ياسر عن جيش سوداني واحد موحد إذن؟ يبدو أن ياسر عرمان يتفاوض في أديس أبابا حول دمج الجيش الشعبي في القوات المسلحة بدلا عن نزع سلاحه وتسريح مقاتليه كما تريد الحكومة، لكنه بدلا عن الإعلان الصريح عن مجريات التفاوض اختار أن يعلق هذه الخطوة بإصلاحات في الجيش كتم كنهها. السؤال الموضوعي كيف يتسنى للجيش الشعبي - قطاع الشمال أن يفرض على قوة عسكرية تفوقه مرات عدة وعتاد برنامج هيكلة وإصلاح أيا كانت صيغته؟ اختار ياسر التحايل بالغموض بدلا عن الصراحة التي يفرضها واقع الأحداث ويتطلبها العمل السياسي المسؤول مكررا بذلك تجربة ترشحه للرئاسة عام ٢٠١٠ حين انسحب بليل من نشاط جماهيري شد إليه قوى واسعة علقت على قيادته الآمال وظل إلى يومنا هذا صامتا عن مواجهة المسؤولية عن قراره سوى بكتابة الشعر الركيك كأن الذين تنادوا لنصرته قصر لا يعقلون حظهم أنهم صاروا مادة لحلم ياسر في الالتحاق بجيل الستينات المجيد، شاباز وما إلى ذلك.
بطبيعة الحال، إن أحرزت الحكومة تقدما في محادثاتها مع الحركة الشعبية تنتفي ضرورة “الاجتماع التحضيري” التي تنتظره المعارضة الرسمية بفارغ الصبر ظنا منها أن القوى الدولية ستضغط على النظام حتى يفكك نفسه بآلة الحكومة الانتقالية، إلا أن يكون ديكورا مصاحبا لاتفاق الحكومة والحركة حول مصير مقاتليها. الحكومة من جانبها، تتصور الاجتماع التحضيري مقدمة لولوج المعارضة في “الحوار الوطني” على طريقة تراجي مصطفى، فهو عندها عين “المؤتمر القومي الدستوري” الذي ظل شعارا ثابتا للمعارضة منذ أواخر الثمانينات، أعادت تدوير المفهوم بما يخدم بقاء سلطتها، كما أعادت تدوير مفاهيم أخرى مفضلة عند المعارضة الرسمية، الهوية وما أدراك ما الهوية.
نحن إذن قبالة كومة من العبارات التي فرغت معانيها تشغل الأوراق والبيانات حبرا صرفا لكن لا مدلول لها في الواقع، الحوار الوطني، المؤتمر القومي الدستوري، الحل السياسي الشامل، أصبحت مادة الخلاف بين أعضاء النادي السياسي ومنتهاه. أما صراع غمار الناس من أجل الحياة فمحله الجامع الذي استنجد به مزارعو نهر النيل هربا من حلف البنك الزراعي والمباحث واسطوانات الغاز التي صارت قضية لجهاز الأمن يتتبع تنقلاتها بين وكلاء التوزيع وشلل الأطفال الذي لم تتفق الحكومة والحركة الشعبية سوى على قطع أمصاله عن بنات وأبناء المنطقتين وحمى الدينق التى تتغذى من معسكرات النزوح في دارفور وكالي الفرنسية حيث يتكدس الشباب الطامح إلى عبور القنال الانجليزى تصطاد منهم القطارات روحا بعد أخر، والهوية، الهوية، بيت ناصية وعربية. 

عارف الصاوي ومجدي الجزولي

Thursday, 22 October 2015

اكتشفوا مادة صراعنا السياسي - حوار مع صلاح شعيب، ٢٠٠٩

ص ش: هل ترى أن هناك أزمة في فهم الهوية السودانية ما دعا النخب المتعلمة إلى الفشل في إنجاز مشروع الدولة السودانية؟

م ج: بصراحة شديدة، أرى أن الأزمة في هذا السؤال بالذات، والذي يقبل ضمنا بأن صراع هويات جوهرى هو أس "البلاوي" السودانية، الأمر الذي يفارق تاريخنا الحي، ويسجن العباد والبلاد رهن تصورات آيديلوجية للهوية تجعل من مكونات البلاد الثقافية معسكرات للحرب. هذه التصورات صناعة متعلمة يتم إنتاجها وإعادة إنتاجها في الأدب السياسي بغرض توفير مشروعية ثقافية لمشاريع سلطوية بالأساس، وتجد غذاءا لها التوتر الساكن ولا بد في تجاور مكونات ثقافية متعددة في جغرافية مشتركة ذات موارد متنافس عليها. إن الخلاصة المنطقية من تصور للأزمة السياسية قائم على الهوية هو القول بحرب الثقافات، بعضها شر والآخر خير، الأمر الذي لا مخرج منه سوى انتصار واحدة وهزيمة أخريات.  
الأمر الأهم، والذي يود الصراخ حول الهوية أن يخفيه هو المفتاح المهمل للمعضلة السودانية – أي الاقتصاد السياسي لهذه الدولة وكيف تشكلت مكوناتها ومراكز قوتها وضعفها عبر التاريخ، لا سيما صدمتها والاستعمار وتبعات ذلك، ثم بالضرورة تبعات الاندماج في الرأسمالية المتأخرة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. من الطريف أن تجري مقارنة بين الأدب السياسي للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية والحركات المسلحة في دارفور، فستجد تباعدا في كل الأبواب سوى الاقتصاد، إذ ثمة إجماع على قبول حاكمية رأس المال. بالفعل، "هو الاقتصاد يا بليد"، كما يقول الأمريكان. لربما كان هذا الاتفاق على رأس المال هو سبب الأزمة! 
الهوية على الدوام غير مكتملة وناقصة ومبتسرة. أنا أجد صعوبة شديدة في الاكتفاء بالثقافة العربية الإسلامية فلا بد لي على الدوام من تجاوزها والقفز فوقها، من محاربة علاقات الاضطهاد في داخلها، ومن لجم محدوديتها والاستنصار باللحظات الكونية فيها، الاستنصار بما فيها من استنارة ضد ما فيها من عنصرية، بلحظات الحرية فيها ضد التكبيل والقهر الملازم لعلاقات ومشاريع السلطة التي نشأت بداخلها. لكن بنفس القدر لا يمكن التسامح مع ما في ثقافة الدينكا، على سبيل المثال، من اضطهاد للمرأة أو من عنصرية أو رجعية اجتماعية بدعوى "التسامح الثقافي". ما أدعو إليه ليس اجتماع الثقافات كما نشهدها على صحن التسامح اللبيرالي وتشابك ممثليها فذلك يعني الاستسلام لسلطة كل ثقافة والقبول بها دون سؤال أو احتجاج، رجعية لا تغتفر، وإنما اجتماع الصراعات المشتركة داخل كل ثقافة بما يجمع بين المضطهدين على اختلاف هوياتهم المحتفى بها إذ لم تسعفهم في مواجهة مظالم حية. إن خط الصراع التحرري هو الذي يجمع المضطهدين والمستغلين عبر الثقافات المتباينة، الأجزاء التي لا مكان لها في كل ثقافة. ظني أن ما يجمع بين مطلقة فقيرة تبحث عن رزق أطفالها، في قرية في الجزيرة على سبيل المثال، في وجه عصبة من رجال يرعون تقاليد اجتماعية ثقيلة القيد وبين امرأة دينكاوية معدمة يتم تزويجها قسرا بسلطة الأعراف الأهلية تلقاء ريع يعود على عائليها هو أشد وأكبر مما يفرقهما بدعوى "الهوية". كذلك الذي يجمع بين راعي بقر من النوير سلب مرعاه لصالح شركة نفطية وبين فلاحي المناصير الذين فقدوا أراضيهم هو أثقل في ميزان التضامن من فروقات اللون والعرق والعنصر. إذن، المهمة ليست البحث عما يجمع الهويات المتباينة كوحدات ساكنة لا تاريخية وإنما كسر قدسية الهوية هذه بآلة التاريخ والاقتصاد السياسي ونسج ما يجمع بين الصراعات داخل كل وحدة ثقافية، هذا هو أفق التحرير. بهذا الأفق أدافع عن ديكتاتورية البروليتاريا وعنفها. دولة هؤلاء لا تتأسس بملكية النخب المتعلمة!
واقع الحال أن الإنتاج الرأسمالي لا هوية ولا حضارة له ولا ثقافة فهو مكتف بآلة السوق يعمل سنانه في كل هوية أو ثقافة ويحيلها إلى مادة للريع دون وجل، كانت تلك الإسلام أم الكونفوشوسية أم الافريقانية. لتقريب هذه الدعوى تأمل كيف افترق الشريكان، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، في كل شئ ما عدا اتفاقهما السلس على اتصال استخراج البترول دون اعتبار لمصالح السكان الذين أهدرت الصناعة البترولية حقوقهم في الأرض والمعاش. في هذه الحالة لم تجد الهوية، نوير أم دينكا أم عرب مسيرية، الاهتمام المزعوم. بل يتصل التنازع على أبيى حتى مستوى محكمة العدل الدولية دون إشارة لوسيلة التشاور الشعبي التي انطمرت في أتون صراع هذين الفيلين، ولا شك أن معرفة المجتمعات المحلية بصراعهم وتفاهمهم وحدود مساكنهم ومراعيهم أفضل من المحكمين من بيروقراطيي الحكومة ناقصة اللوح أو الدارسين الأجانب ووارثيهم من الأفندية المحليين الذين ينظرون إلى هذه البقاع بعين الأنثروبولوجيا الاستعمارية. من وجهة النظر هذه طريف أن تنزل الصين منزلة حسنة في الخرطوم وفي جوبا كذلك، وتجد شركات البترول مقاعد متسعة في مؤتمر واشنطن بينما لا مكان لأصحاب الشأن. إن رعاية الثقافات السودانية مهمة نبيلة وضاغطة آلتها البحث العلمي النقدي والتدريس والتدوين، أما ما يجرى الآن بدعوى الثقافة والهوية، وأول ذلك مشروع الإسلاميين، فهو عين "الوعي الكاذب"، تدليس وتلبيس.

ص ش: كيف تقرأ المستقبل السوداني على ضوء مجريات الواقع السياسي، هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل في ما يتعلق بالوصول إلى حل للإشكال المجتمعي السوداني التاريخي؟ 

م ج: لا أفهم ما تعنيه بالاشكال المجتمعي السوداني التاريخي. أرى أن مصطلحات كهذه أقرب إلى "الشكوى" من الأحوال منه إلى فهمها، وهي عرض لاستكانة مرضية أدخلتنا فيها سنين الانقاذ المتطاولة، نرى فيها أنفسنا ضحايا عاجزين عن التحكم في مصائرنا أمام قوى أسطورية لا قبل لنا بها تكبر كل يوم في أذهاننا بينما تخور قوانا، اختصار هذه القوى آلة السوق. بالضرورة لا بد من القراءة، لكني أظنها القراءة في معنى المذاكرة والدرس طلبا للفهم بما يعيننا على التفوق على الهويات المستأسدة ولجم آيديلوجياتها، أول الأمر بشرح الاقتصاد السياسي وتنويره. السودان اليوم كمدخل الحوادث في المستشفى، كل شئ يدعو إلى العجلة. لكن، إن قال لك طبيب في الحوادث أنا لست متأكدا من التشخيص لكن على كل حال سأقوم بجراحة مستعجلة فلن تقبل بتدخله مهما كانت شدة آلامك. ظني أن السودان اليوم ملئ بجراحين مستعجلين، من بنيه ومن المتطفلين، لكن لا علم لهم بتشخيص مريضهم ولا بأي علاج يريدون له يزحمون جسده بالمسكنات ويقترحون جراحات لا يهتمون بتبعاتها. أما التفاؤل فضرورة معيشية في السودان، كل يوم أتفاءل أن تعود الموية المقطوعة.

ص ش:  ما هي تصوراتكم لحل أزمة دارفور، وكيف يمكن الوصول إلى سلام دائم؟ 

م ج: في تراث اليسار هنالك عبارة "حل سلمي ديموقراطي" أستنجد بها للرد على هذا السؤال الصعب. لا أملك خارطة طريق، لكن ظني أن الصراع في دارفور ليس صراعا واحدا. هنالك مستوى حرب أهلية بين الأبالة والفور يعود تاريخها القريب إلى نهاية الثمانينات، وتدور بالدرجة الأولى حول حقوق الأرض تبعا لتدهور بيئي منهك وسياسات دولة ريعية، بالإضافة على عوامل جيوسياسية تختص بالصراع بين ليبيا وتشاد في محتوى الحرب الباردة. المدخل الديموقراطي لهذا المستوى من الصراع يختص بإصلاح علاقات الأرض في دارفور على أساس المواطنة، الأمر الذي لن يتم دون تفاوض الأطراف المعنية مباشرة من فور وأبالة. ولقد قدمت جولة لجنة الحكماء الأفارقة الأخيرة في الاقليم برئاسة ثابو امبيكي الدليل على أهمية وواقعية هذه المقاربة. جدير بالذكر أن صراع الأرض في دارفور قد امتد ليفتح جبهات قتال أهلي خارج محور الفور والأبالة، وذلك بين مجموعات البقارة المختلفة جنوب الاقليم. من ثم أصبح التصور العرقي للصراع – عرب وزرقة – صرخة حرب لا تعين على فهم الموضوع. والدلائل تشير إلى أن قضية الصراع هي بالأساس نظم الأرض الموروثة في الاقليم وطرفاه بهذا الفهم القبائل ذات الدار من جهة والقبائل التي لا دار لها من أخرى. من هنا تنبع أهمية ما أصطلحت عليه الحركة السياسية بالحوار الدارفوري الدارفوري. 
المستوى الثاني هو الصراع المسلح بين الحكومة المركزية وبين الحركات المسلحة، الأولى جندت لصالح حملتها العسكرية مقاتلين من القبائل غير ذات الدار، بالدرجة الأولى الرزيقات الأبالة وحلفائهم من تشاد والساحل، والثانية ساهمت بالترويج أن تصبح دارفور موضوعا للسياسة المحلية في الولايات المتحدة الأميركية والعواصم الأوروبية. هذا الصراع يتغذى من الحرب الأهلية في دارفور، لكنه كذلك يطرح قضايا هي في صلب مسألة البناء الوطني وتخص ديموقراطية توزيع وإدارة الثروة القومية والمشاركة في السلطة المركزية. لا أتصور امكانية حل مستدام لمستوى من الصراع دون الآخر والدليل على ذلك مآل اتفاقية أبوجا.
ص ش: هل ترى أي غياب في القيادة السياسية الوطنية المجمع عليها والقادرة على وضع التصورات الفكرية لما ينبغي أن يكون عليه واقع الدولة السودانية؟

م ج: ليس بالضرورة، إذا فهمت السؤال لا أظننا في حاجة إلى ديكتاتور حكيم آخر يضع التصورات الفكرية أو ما شابه. حوجتنا ليست خلق الإجماع وإنما تجويد الصراع وإحسانه وتفكيك سيطرة العسكر على الدولة وفضح زيف الحلول العسكرية. ما نحتاج إليه هو إعادة اكتشاف السياسة المدنية واعادة الاعتبار لقوى الجمهور وقضاياه. الشاهد أن السياسة السودانية قد تدهورت إلى سياسة صالونية، وهو مآل ناجم عن العجز عن تثوير القضايا الحية للجماهير سوى باسم الهويات. مقابل ذلك أن يكون هدف العمل السياسي تمليك الناس قضاياهم وشحذ قواهم عبر التنظيم الفعال. ليس من المهم أن نتوحد تحت قيادة واحدة، فهذا من ضلال فكر الحزب الواحد والتصور الأخروي لمخلص فرد ملهم، لكن المهم اكتشاف ما يجمع الصراعات الجزئية ويبعث خيال سياسي يعيد الثقة في قدرة الجماهير على صناعة المستقبل. القيادة لا تسقط على الجماهير من السماء بل تتشكل وتكتسب مشروعيتها من داخل حركة هذه الجماهير. لن نعدم القيادة إذا استوى خط الصراع.

ص ش: الانتخابات القادمة في فبراير 2010 ، هل تستطيع أن تحدث تغييرات جوهرية في طبيعة العمل السياسي الحكومي والمعارض، خصوصا إذا دخلت قوى المعارضة في تحالف ضد المؤتمر الوطني؟

م ج: بطبيعة الحال، أنا لا أميل إلى التشاؤم المستسلم ولا إلى جلد الذات، بل أؤمن أن بمقدور الحركة السياسية أن تستعيد عافيتها من خلال الصراع السياسي وبأدواته، والأحزاب نفسها ليست كما ساكنا لا يأتيه التاريخ. إن التغييرات الطبقية التي تعصف بالسودان تملي على الأحزاب نفسها تغييرات في الفكر والقيادة، إن عجزت عنها انطمرت. مثال ذلك أن في قيادة حزب الأمة يوم سيدات من نساء الأنصار يفرضن بوجودهن تحولات معتبرة في رؤى حزب الأمة تجعله أقرب إلى اليسار الليبرالي منه إلى اليمين الديني، بل لم يعد بالضرورة يمثل رأس المال شبه الاقطاعي، إذ انسحبت البرجوازية السودانية منه إلى المؤتمر الوطني وتدهورت الأسس الاقتصادية التي كانت تقوم عليها سيطرته شبه الكلية على الريف وأصبح لزاما عليه أن يعلي نداء العدالة الاجتماعية وهو يقترب مرة أخرى من قواعده الموروثة. بل لا بد من الإقرار أن السيد الصادق المهدي بجهاده في شريعة الأنصار يريد بطريقة أو أخرى أن يقترب من قضايا اجتماعية تخص غمار الناس لا أسيادهم، وقد وقد جاءت هذه الانتباهة إلى قضايا "التعمير" بدفع التحول الحادث في الاقتصاد السياسي للبلاد، ولورثة حزب الأمة. ولعل في اجتهاد السيد الصادق لمح تحرري خاصة في شأن مستضعفين قدامى من النساء وغير المسلمين، لمح أهم ما فيه أنه يأتي من قلب كتلة طالما حسبها المثقفون قلعة رجعية.  

ص ش: الإستفتاء على تقرير المصير: إلى أي مدى يمكنك التفاؤل بنتيجته فيما يخص وحدة السودان، وإذا قدر للجنوب الإنفصال هل تتوقع أن تموت فكرة (السودان الجديد) التي دعا إليها الزعيم السوداني الراحل جون قرنق؟

م ج: انفصال جنوب السودان هو المناقض الموضوعي لفكرة السودان الجديد، فالانفصال حل يقضي باستحالة الحل. لا خيال سياسي في القبول بالانفصال كملجأ من الأزمة الوطنية، إنما هزيمة أمام المنطق القائد للسودان ابن الاستعمار، أو قل انتصار هارولد ماكمايكل على جوزيف قرنق. في التحولات التي طرأت على قضية الجنوب، خاصة بعد حملات التسعينات المتتالية وما ترافق معها من خطاب سياسي للطرفين المتحاربين، بما في لك مسألة تجديد الرق، أصبح من غير المقبول سياسيا التنويه إلى خطة الاستعمار في المنطقة ومساعي الامبريالية ومخالبها، وهو باب ما استوفاه البحث بعد ولا وجد ما يكفيه من تدقيق ونظر. التفكير السليم في واقعة الاستعمار وما نجم عنها ملغوم بالنزاع السياسي الراهن، الجبهة الإسلامية جعلت من مقولة الاستعمار تكأة لتصوير كل مواجهة مع دولتها رجس من عمل شيطان أجنبي، والحركة الشعبية تطهرت من خيال "اشتراكي" و"تحرري" جعلها هدفا للغضب الامبريالي خلال عهد النميري، حيث وقفت الولايات المتحدة موقفا معارضا لجهاد الحركة الشعبية وفضلت عليها حليفها في السلطة. بانهيار الاتحاد السوفييتي تغيرت قواعد اللعبة واقتربت الحركة من "البنج" في واشنطن. اليوم يبدو أن تحولا دوليا جديدا يجعل من الحركة الشعبية الشريك السوداني الأصغر لواشنطن التي تغازل المؤتمر وطني علنا بعد زواج متعة امتد منذ ضربة مصنع الشفاء "التأديبية" التي حملت اسم اليد الطولى  غير المتناهية (Operation Infinite Reach) عام 1998، وتجدد واستقر خلال حرب الرئيس بوش الإبن ضد الإرهاب بعيد واقعة 11 سبتمبر 2001. 
لا يمكن النظر إلى قضية الاستفتاء باعتبارها تمرين في عد الأسواط، وشاهد ذلك الأقرب الصراع الدائر الآن بين طرفي اتفاقية السلام الشامل حول القانون الحاكم للاستفتاء، أيشارك فيه الجنوبيون الذين يقطنون شمال السودان أم لا؟ ونتيجته أرهن بالأغلبية البسيطة 50% زائدا واحد أم 75% زائدا واحد؟ ما نشهد طفح من بطن السياسة الغريق، فالصراع حول الاستفتاء يدور أغلبه في واشنطن، ونتيجته، باستمرار المحددات السياسية الراهنة، تحددها الخلاصة التي تصل إليها الإدارة الأميركية بفراغها من مراجعة سياستها نحو السودان. بل يمكن القول أن الاستفتاء حول مستقبل السودان في هذا "الدرداق" من تاريخنا ما بعد الاستعمار تمرين غير وطني. هذا لا يعني الطعن في حق تقرير المصير لجنوب السودان، لكن كما يشهد الصراع حول قانون الاستفتاء، مصير من، ولصالح من؟ إجابة هذا السؤال عند باقان أموم على الأقل، مصير دولة الحركة الشعبية في جنوب السودان ولصالح قيادتها السياسية وحلفها الدولي، المالي منه والسياسي وكذلك "الإنساني"، منظمات طوعية ودوائر أكاديمية وشبه ذلك.

ص ش: هل أضعف بروز التيارات والأفكار (الإثنية أو الجهوية) إلى سطح العمل السياسي الهمة القومية في كل مناحي الحياة، وهل ترون أن هذه التيارات والأفكار ستختفي في حال الوصول إلى سلام دائم في كل أنحاء القطر عبر تسوية قومية؟

م ج: التيارات والأفكار الجهوية والإثنية وليدة تناقض في الاقتصاد السياسي للدولة السودانية، فهي بالأساس تعكس مطالب القوميات والمناطق غير ذات الحظوة في الاندماج ضمن مركز السلطة السياسية والاقتصادية وتطرح شروطا لهذا الاندماج. ما لا يجد اعتبارا كثيفا في مساعيها هو أن الشرخ بين مركز وهامش نتاج لاقتصاد سياسي لا يعنيها درسه أو تبديله، فهي بعبارة عهد تحررنا الوطني مشغولة بالتحرير لا التعمير. دليل ذلك ما ألم بحركات دارفور من تفرق وشتات رغم الهدف المشترك، سطح هذا التشتت التنازع القبلي، وهي مقولة فاسدة واستعمارية الظل حين توصف بها صراعات حول مكاسب الحداثة وأولها الدولة، وعمقه آلة الاقتصاد السياسي التي تقسم حين تدمج. فالمؤتمر الوطني نجح بمكاسب الإدماج في دولته أن يفرق من جمعهم السلاح والنضال المشترك، البعض يرى في هذا الدمج السريع منتهى نضاله السياسي والآخر ينتظر ربما كسبا أكبر. ولعل في وقائع مفاوضات أبوجا ومنتهاها بجذب مني أركو مناوي وطرد عبد الواحد درس لمن يريد تقصي هذا الديالكتيك.

ص ش: فكر الاحزاب والتنظيمات السياسية: هل يتحمل نتيجة الفشل السياسي، أم أن قواعد هذه الاحزاب تتحمل أسباب ضمور هذه الأحزاب ما أدى إلى فشل قياداتها؟

م ج: الفكر وتدابيره ليس شأنا ابداعيا فرديا، بل هو وحدة ديالكتيكية ووقائع الصراع المادية، لذا لا يمكن الفصل صوريا بين الفكر وبين الحوادث السياسية والاجتماعية. الأرشد وأنت تتحدث عن الأحزاب أن تنظر إلى التركيب الاجتماعي وتحولاته. من هذا المدخل ربما يمكن النظر إلى التحول في المصالح والمقاصد الدافعة للأحزاب السياسية، ومن ثم الحكم عليها بالفشل أو الفلاح في تحقيق أهداف المجموعات المكونة والداعمة لها. أرى أن الحكم "البطانية" بفشل الأحزاب السياسية وفشل قياداتها مخرج سهل – يعجب المثقفين – لكنه لا يفيد كثير في الفهم، فهم بلادنا وما يحدث فيها.

ص ش:  أيهم أقوى تاريخيا في تجربة دولة ما بعد الاستقلال: صراع الهوامش الجغرافية مع الدولة المركزية، أم صراع الآيدلوجيا والدولة؟  

م ج: كأنك في سؤالك تعفي حركات "الهامش" من شبهة الآيديولوجيا، وتعفي كذلك الدولة "الديموقراطية" من شبهة الآيديولوجيا، ما لا أوافقك فيه. لذا الجواب على سؤالك، نعم بالتأكيد.

ص ش: المثقف سوداني: ماهي حسناته وعيوبه وهل يتحمل بعض الوزر في فهم كيفية العلاقة بين السلطة والمثقف ما بعد فترة الاستقلال؟

م ج: لا أفهم من تعني بالمثقف السوداني، فهم كثير متعدد. في تراث اليسار احتفال بالمثقف الثوري صاحب الالتزام العضوي بمصالح غمار الناس. هؤلاء سابقون ولاحقون قوم علينا التزام جانبهم والتعلم منهم، من نجاحاتهم ومن كبواتهم، سنوا سننا حميدة واجبة الاتباع، وأخطأوا أخطاءا تليق بالكبار فيها دروس وعبر واجبة التأمل. أما العلاقة بين السلطة والمثقف فدعني أحيلك إلى أوراق مؤتمر اتحاد الكتاب الأخير فيه "زوادة" لتقصي هذا الموضوع. 

Tuesday, 13 October 2015

سبت الحوار الفوار..والمال

استقبل الرئيس البشير في قاعة الصداقة السبت الماضي ممثلي أكثر من تسعين حزب سياسي وطيف من الدبلوماسيين وغيرهم كباتن ومغامرين في جمع سلطاني لتدشين مؤتمر الحوار الوطني. لا يهم البشير في هذا المحفل من الحاضرين سوى الحضور كأنهم مجاملين في عقد. تغيب عن ضيافة البشير عصبة السياسة المحترفة إذا صح التعبير إلا المؤتمر الشعبي. اعتصم الصادق بالقاهرة لم يقنعه إبراهيم محمود ولا ابنه عبد الرحمن، مساعد الرئيس، بجدوى المرور لكن ترك الباب مواربا لاحتمالات المستقبل بحسب تعبير إبراهيم. أما محمد عثمان الميرغني فلقد انقطعت رجله عن السودان منذ مظاهرات سبتمبر ٢٠١٣ ولا يعرف سره سوى ابنه الحسن مساعد الرئيس الأول. لم يخطر للحزب الشيوعي ولا حتى شكا أن يقبل دعوة البشير وكذلك جاء بيان قوى الإجماع الوطني تحذير من تخدير الحوار ووعد بتنظيم الجماهير ليوم الثورة المشهود ولو بعد حين. أرسل ياسر عرمان، أمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، نصائح للمتحاورين من وحي عيد ميلاده كما يبدو. ذكر البشير أن الساعة ساعة الحوار الجد لو كان سعيه فعلا تحقيق السلام والتحول الديمقراطي وحث الترابي على جذب شركاء الحوار إلى مواقع التقدم والديمقراطية كأن للترابي الشيخ محاية لو فضها لقام كل من يسمعه إلي الحق والخير والجمال ولو فقط بداعي العشرة القديمة. أما شركاء ياسر في الجبهة الثورية فلا يمكن الوصول إليهم. 
بهذا يكون السودان القديم، أي سودان ما قبل إتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥، غائب عن حفل البشير استعاض عنه بطبقة سياسية “جديدة” هي في وجه من الوجوه صناعة محلية للإنقاذ عكفت عليها بجد فعال منذ مؤتمرات متتالية أول عهدها، وقعَّدت لها في قانون التوالي السياسي لمن يذكرونه. لا غرو إذن أن الترابي وحزبه أكثر حماسا للحوار الوطني من المؤتمر الوطني الحاكم ليس بجامع الإسلام السياسي فقط فالحوار يغيب عنه إسلاميون معتبرون في صف غازي صلاح الدين العتباني وأقل إعتبارا في منبر السلام العادل لصاحبه الطيب مصطفى. لكن ربما ضمن سعي بطئ لكن واع لاستبدال النظام السياسي المركب الذي عرف السودان منذ الاستقلال،أي دورات الحكم الحزبي والعسكري، والطبقة السياسية التي قامت عليه بفئاتها المتنازعة والمتحالفة، بقوى جديدة تنشأ أقمارا حول مركز واحد تكون له ديمومة الحكم. عبر البشير عن هذا المعنى صراحة باقتراحه الكاريكاتوري أن الفرصة سانحة لنشأة حزب باسم مؤتمر الأمة الاتحادي يدمج في صفه المؤتمر الوطني وحزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي كما عبر عنه الترابي أكثر من مرة بما في ذلك اقتراحه الأخير أن ينشأ حزب جديد يستوعب كل “أهل القبلة” بالإضافة إلى التائبين عن أفكارهم “البائدة”، اشتراكية وقومية عربية. 
بالمقابل، لا يكاد يتوقف بحث القوى المعارضة لنظام الحكم عن صيغة للتحالف تستعيد بها وعد التجمع الوطني الديمقراطي، فكل محاولة لتعضيد جبهة معارضة عريضة منذها كان جوهرها عقدتين لم يتمكن التجمع من حلهما إلا مؤقتا بضرورة قمع النظام وظروف إقليمية مواتية بما في ذلك قدر من الرضى الأميركي: التراتب بين القوى المسلحة والمدنية ثم التراتب بين حزب الأمة، بعد أن غادر الاتحادي الديمقراطي صف المعارضة، والقوى الحزبية التي ساد تعريفها بالحديثة. ما هجرات الصادق المهدي بين قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية المقاتلة سوى تعبير عن هاتين العقدتين وقد اتفق المتحالفون بصورة أو أخرى على تجاهلهما فضا للاشتباك. غير أن الصادق لا يبدو راضيا بالمرة عن هذه النتيجة إذ لا تصمت مطالباته بالهيكلة، هيكلة قوى الإجماع الوطني فيما مضى ومؤخرا هيكلة تحالف نداء السودان. 
 ذكَّر الصادق المهدي البشير في معرض الرد على دعوته إياه لمؤتمر السبت ظنه أن حزب الأمة مهما تعاقبت عليه الانقسامات هو الحزب الأوسع نفوذا في البلاد، قياسه بطبيعة الحال انتخابات ١٩٨٦ ودوام العقيدة الأنصارية. ما من سبيل لضحد حجة الصادق العددية يقينا سوى الانتخابات لكن لا ينكر حصيف أن الخارطة السياسية التي يستند إليها الصادق لم تعد هي وإن ظل هو في موقعه رئيسا لحزب الأمة.
يأمل البشير أن يكون مؤتمر السبت فاتحة لعهد جديد من التوالي السياسي وقد تحقق له النصر على أقطاب السودان القديم وأمَّن ولاء طبقة سياسية نمت في ظل حكمه واقتسمت بينها مقاعد الحكم والمعارضة البرلمانية. التاريخ أشد مكرا من حساب البشير، فكل ما هد المؤتمر الوطني ركنا من أركان السودان القديم هد كذلك قاعدة من قواعد حكمه، لا ضرورة له متى زال الشبح السياسي لحكم الحزبين. اقترب الترابي من هذه الخلاصة بحديثه عن المنظومة الخالفة أوالنظام الخالف فالترابي يرى ضرورة إعداد حلف قادر على الحكم لقطع الطريق على الفوضى التي يتنبأ بها متى زال نظام البشير. لكن تقاصر خياله فرشح لهذا الحلف مكونات ما يبدو أنه مؤتمر وطني بديل، أو قل استعاد تصوره الأول للمؤتمر الوطني قبل المفاصلة. لم يخالف البشير نفسه تحليل الترابي إذ حذر مجلس شورى المؤتمر الوطني في انعقاده الأخير من مصير الاتحاد الاشتراكي لصاحبه جعفر نميري متى انقضى حكمه ووبخ قيادات حزبه على ضعف نشاطها القاعدي وتحول الحزب على يدها إلى حزب دولة لا قوام له سوى بدوام السيطرة على جهاز الحكم. 
بالعودة إلى مكر التاريخ، إن كان المؤتمر الوطني هو معول فئات من البرجوازية السودانية تقوم مصالحها على رأس المال التجاري وارتبطت في أغلب نشاطها بالاستثمارات الأجنبية المباشرة لفرض قيادتها على رأس المال الزراعي والصناعي فوق السيطرة على قوى العمل فإن التهديد المقابل لها يتنامى مع التحول عن هذا النموذج. وهو تحول لا سبيل لتداركه بعد انقطاع ريع البترول رغم محاولات استبداله بالذهب وتسويق الأراضي الزراعية في السوق الدولي. من أبرز علامات هذا التحول لهفة الحكومة على إلغاء ديون السودان الخارجية واستعادة قابلية التمويل من بيوت المال الدولية، صندوق النقد والبنك الدوليين، الهدف الذي يشغل اليوم أعلى قائمة الأولويات في علاقات الحكومة الخارجية. لكن، ينبئ انفتاح هذا الباب بتغيير التراتب القائم بين فئات البرجوازية السودانية وبمنافسة شرسة على موقع القيادة الطبقية والسياسية بخاصة إذا استطاعت المتطلعة منها لتوسيع قاعدة أرباحها بالاستغلال الفعال لموارد الإنتاج وقوى العمل أن تنشئ علاقات مستقلة مع رأس المال الأميركي والأوروبي.
 ظهر جانب من هذا المنافسة في التذمر حتى داخل المؤتمر الوطني من قيادة البشير والفئات المرتبطة به وفي الاحتجاج الدائم على الفساد الذى انتقل من كونه شكوى شعبية إلى أن غدى مظلمة لاتحاد أصحاب العمل ونجوى لقطب دال، أسامة داؤود، يبثها محدثيه من الدبلوماسيين الأميركيين. الفساد في هذا المعنى ليس عرضا ثانويا لطبيعة الحكم بل هو جوهر فيه ووسيلة لا بديل لها لضمان تفوق فئات البرجوازية من أصحاب رأس المال التجاري المرتبط بجهاز الحكم في أي مضمار طرقت حتى خارج دوائر نشاطها المعهودة. من ضمن ذلك التدهور الذي طال الري في مشروع الجزيرة حتى أصبح العطش بين نهرين أمرا مزمنا بعد أن وزعت الحكومة مسؤولية الترع بين شركات حفر نشأت ليلة العطاءات الحكومية، وتطاول أزمة مياه الشرب في الخرطوم بعد أن تقاسمت شركات “الدفن أم كراعا بره” عطاءات الصيانة والتوسعة إلى جانب وقائع المحسوبية التي يعج بها كل تقرير للمراجع العام بغير وقع.
 انتهى التذمر داخل المؤتمر الوطني بالانقسام، حيث خرج الدكتور غازي العتباني في جماعة يريد الإصلاح  وتحول إسلاميين من جيل الجهاد إلى “سائحون” خارج السلطة. لم يستطع الانقساميون تسويق انفسهم بفعالية داخل الدوائر الطبقية التي يقوم عليها المؤتمر الوطني ولن يتأتى لهم فعادوا إلى البحث عن أحلاف بديلة ارتدوا بها إلى مواقع السودان القديم بعد أن قضوا كامل   سيرتهم السياسية في تطويقها. إن كان من درس في خروج جماعة غازي على البشير فهو تبضع ولاء طوائف البرجوازية الصغيرة التي مثل الإسلام السياسي مدخلها إلي السلطة، الأمر الذي انعكس أيضا في تدهور السيطرة الفكرية للإسلاميين على الرأي العام ولجوءهم إلى مواعين ليبرالية تقليدية، الديمقراطية الانتخابية والحريات العامة، لتجديد دعوتهم. قابل الرئيس البشير السبت الماضي محاوريه المختارين كسلطان، يشغل هرم السلطة نعم، لكن تشققت قاعدتها ليس بتطاول العهد فقط والملل من سمته لكن بتحولات في التحالفات الطبقية التي تسندها، فمن يشد هذا التاريخ من قرونه؟                         

Sunday, 30 August 2015

Abd al-Khalig Mahjoub's speech in the University of Khartoum 1970

Apart from his speech to the roundtable conference on southern Sudan in 1965, this is as far as I know the only surviving recording of Abd al-Khalig Mahjoub, leader of the Communist Party of Sudan, speaking in public. He made the address to students of the University of Khartoum in 1970, at a time when the contradiction between his mass revolutionary line and the agenda of the 1969 coup was sharpening. The dispute eventually resulted in the fracture of the Communist Party with almost half of its central committee siding with Nimayri against Abd al-Khalig's policy line. Within a year or so from his speech, Abd al-Khalig's life came to an end on order of Jaafar Nimayri on the gallows of Cooper Prison in the aftermath of the 1971 Communist coup attempt.

https://soundcloud.com/cps-sudan/wiisy7qvh9xw




Sunday, 16 August 2015

Sixty nine years of the Communist Party of Sudan

According to its official history, today marks the 69th anniversary of the Communist Party of Sudan. During a large chunk of its history, the party was a workshop of creative dissent, sufficiently threatening to the Sudanese establishment as to earn its wrath time and again. Today, it is a reservoir of an idiom and certain skills of underground struggle but not the vanguard it once perceived itself as. Whether the creole Marxism of the Sudanese communists and their skills are of any relevance to Sudan's struggles today is a matter of debate. I believe some are and will attempt in articles to follow to demonstrate to what use these resources of emancipation could be employed today. 

Sunday, 21 June 2015

Bashir, the ICC and jirtig

President Bashir’s return to Khartoum after the drama of his ‘missed’ arrest in Johannesburg was to say the least anticlimactic. The microphone set up for him to address the ‘spontaneous’ crowd which gathered at the airport to greet him home did not work. Turned to mute by a mysteriously untimely intervention, the president shouted a few sentences from the roof of a white pick up and that was it. To the disappointment of journalists there were no defiant sentences to quote for next day’s headlines. The only memorable picture was Ghandour, the former senior presidential assistant and new foreign affairs minister, wiping what seemed like tears from his eyes in a press conference to announce the president’s return. The government, fresh in office, was by no means ready to grant the big man a hero’s welcome. I guess, everybody was a bit exhausted. In a sense, the entertainment was cut short, no fiery speech and no jellabiya groove and ceremonial ululations. 
I wonder what he did for the rest of the day. The president probably needed time to rest from the agitations of his South African adventure, and most likely sought the assuring company of family and relatives. Well-wishers of all sorts probably stalked him wherever he eventually settled. At seventy one years old, Bashir is in a position to enjoy the full catalogue of patriarchal privileges in Sudan, projected in this case to the national scene. Indeed, one of his favourite leisure time activities is to attend the formalities of marriage consummation restricted to males and to carry them out himself as trusted elder. Hassan al-Turabi and al-Sadiq al-Mahdi are in the same business. Turabi, the sheikh, invites both bride and bridegroom to the mosque attend the declaration of their marriage ‘contract’ breaking with established tradition whereby an ‘agent’, in the rule father or uncle, represents each. A scholar of constitutional law and a ‘victim’ of constitutional violation Turabi has come, at his twilight, to consider the idea of ‘contract’ paradigmatic for Muslim dealings in the world, from the private sphere to the market and the state! Sadiq al-Mahdi, on the other hand, crosses into a matriarchal role to play grandmother and officiate the the ancient fertility rituals of jirtig. Bashir is no innovator in these affairs but is famously keen to attend wedding parties and mingle with the ladies, almost always accompanied by his former defence minister, Abd al-Raheem Mohamed Hussein. 
Why did Bashir take the risk, it must be asked. Seemingly, the president was sure he could count on South African government cooperation in evading judicial challenges. Events played out in such fashion, and Pretoria was left to deal with the domestic consequences of its African Union (AU) commitments. Overlooked in the debate over the toothless International Criminal Court (ICC) and the political and diplomatic bargains that frame its actions or inactions is Bashir’s investment in the ICC indictment. While perceived by Bashir’s many foes, domestically and internationally, as a threat, even if in waiting, the ICC has paradoxically become one of the president’s resources, a propaganda tool that he invokes at will. Over time, the efficiency of the handy tool has worn off though as evident in Bashir’s inglorious return home. Only Ghandour has maintained the ICC passion alive. Just appointed foreign affairs minister and arguably among a handful of surviving Islamic Movement politicians in Bashir’s government, he has a lot to lose. When the indictment was announced back in 2009, businessmen paid for advertisement pages in Khartoum’s newspapers ridiculing the former ICC prosecutor Luis Moreno Ocampo and declaring solidarity with the president. A government board of religious scholars even issued a fatwa forbidding the president to travel to the League of Arab States summit in Doha in March 2009, his first foreign trip after the ICC indictment. Attention to the issue has since waned off considerably, and the president’s foreign travels have remained restricted to safe regional neighbours and allies. 
The elections last April were supposed to rejuvenate support for the president and the ruling party but were effectively a register of absent voters. NCP candidates competed among themselves in the pre-election jockeying for nominations and the president was more or less campaigning against his own twenty six years record in government with a negative argument warning voters of the political void that awaits them if he vacates the seat of sovereignty. Designed to help the NCP adjust its alliances on the basis of a managed expression of popular will, the main outcome of the process was the cynical abstinence of the electorate. The government pretended to hold elections and people pretended to vote as it were. According to NCP figures, total voter turnout was lower than the number of registered party members as if the ballot was a fard kifaya, an obligation of all that is absolved when performed by some. 
The elections however offered the president an opportunity to settle scores with the more demanding leaders of the party, the remaining Islamic Movement politicians who still had the nerve to imagine an autonomous space for politics aside of his will after the purge of December 2013 in which he dismissed the NCP high priests, Ali Osman Mohamed Taha, Nafie Ali Nafie, Awad al-Jaz and others. The new cabinet was further expunged of old-timers and staffed with a pick of NCP juniors and leaders of allied parties who have only the president to thank for their careers. Ali Karti and Mustafa Osman Ismail will now have to make do with parliamentary incentives and prepare for political retirement and the storytelling expected of figures from the past. One can already imagine Mustafa Osman Ismail welcoming Turabi to preside over the marriage contract of a daughter or son, Sadiq al-Mahdi to lead the jirtig, and awkwardly catering to the rayes Omer (al-Bashir) and his buddy Abd al-Rahim (Mohamed Hussein), appropriately rewarded with a retirement package as governor of Khartoum, when they crash into the wedding party. To seal the fate of parliament, the president favoured Ibrahim Ahmed Omer as speaker of the house, while rumour was strong that Taha was the lead candidate for the position. The NCP bloc in parliament voted handsomely in favour of the the soft-spoken veteran of the Islamic Movement who eagerly avoids controversy and probably even opinion; voting against him would be simply inappropriate. For the party, Bashir chose the former agriculture minister Ibrahim Mahmoud Hamid to replace Ghandour as deputy chairman for executive affairs. Ghandour was compliant but a chattering media man. Ibrahim will adorn compliance with the virtue of silence. Signalling a further downgrade of the party’s influence over the presidency, the Democratic Unionist Party (DUP) acting chairman Mohamed al-Hassan al-Mirghani, son of the ailing Mohamed Osman who withdrew to London after the September 2013 protests, was appointed senior presidential assistant, a position usually reserved for a deputy chairman of the NCP. Taha and Nafie doubled as deputy chairmen of the ruling party and vice president and senior presidential assistant respectively while Ghandour was deputy chairman of the NCP for executive affairs and senior presidential assistant.
The ICC-shadowed trip to South African was the president’s response to the political malaise left behind in a political arena cleansed of able foes and capable allies alike and the accelerated bureaucratisation of the NCP. Indeed, the ruling party, thanks to Bashir, is shedding off advantages of the third tareeqa it aspired to become and slowly but surely assuming the features of Nimayri’s Sudan Socialist Union (SSU), a party of the state under the authority of one man. The president probably calculated that the adventure would bring him back home a hero. Well, he pretended, and people pretended not to notice. In fact, he would have gained more from yet another late hour mingle with the bold and beautiful of the capital, iPhones zapping in WhatsApp time the gold shine and glitter on the background of magnificent tobs and dazzlingly white jellabiyas on selfies with #Bashir.

Friday, 8 May 2015

Himeidti and his president: war as a livelihood

The media simply can’t get enough of him. The commander of the Rapid Support Forces (RSF) Mohamed Hamdan Daglo, famous as Himeidti, a motherly diminutive version of his first name, is as ubiquitous as Zain advertisements. Two major newspaper published interviews with the ‘hero’ of al-Nakhara in one day. The official Sudan TV and the government-associated al-Shurooq TV recycle reports about the man and the RSF victory over forces of the Justice Equality Movement in South Darfur’s al-Nakhara and Goz Dango on 26 April generously illustrated with images of the fast-bloated corpses on the battlefield and the fear-stricken faces of teenage JEM combatants in captivity.
The RSF entered Nyala in a victory parade to demonstrate the vehicles and weaponry captured from the JEM, now on display in a town square. The governor of the state, Adam Mahmoud Jar al-Nabi, himself an officer of the Sudan Armed Forces (SAF), declared the RSF victory unprecedented in the history of the Sudanese army. The SAF commander in Nyala, a jolly if not clownish chubby figure, stood beside Himeidti as a minor, cheering his throat sore. It was on the battlefield of Goz Dango though that Himeidti had his finest moment. The president, the National Intelligence and Security Service (NISS) director and the defence minister flew in on 28 April to congratulate the RSF soldiers. A confident Himeidti read out a long list of war booty to enthralled soldiers and then stood aside. 
The NISS director had a message to deliver though. He dedicated the RSF victory to the president, saying it was their way of marking the president’s electoral fete, and then talked business. “We want a new political phase with no khamaj”, he addressed Bashir. Khamaj in the dictionary of riverine Sudan is usually reserved for the playful mess of children and in another context the wasteful behaviour of indulgent wives and spoiled sons. The NISS director was arguably expressing his institutional opinion on the government’s political behaviour towards enemies he considers fit for the sword. To describe the JEM fighters at his mercy, the NISS director repeated the word bughaa (sing. baghi), classical Arabic from the dictionary of Islamic jurisprudence that translates into aggressors, a determination meant to justify war against fellow Muslims. The minister of defence had only his trademark battle cry amsah..aksah to add, i.e. wipe out.. crush, which the soldiers of the RSF eagerly repeated in tandem. 
Hoisted on the top of a Land Cruiser to speak, the thankful president skipped the introductory niceties to announce that rewards and incentives for the fighting force were ready to pay. “I signed the list of promotions that I received from you without even looking at it,” he told the RSF soldiers adding that every combatant in the battle will be granted Sudan’s ‘badge of courage’. For a moment there it was not immediately evident who was commanding whom. The president, obviously overwhelmed by the smouldering heat, the mass of soldiers in arms and the stench of the battlefield, grimaced in discomfort. The cheers around him were no more the familiar religious phrases of the Popular Defence Forces (PDF) era but thoroughly secular war cries of machismo and vengeance. Loyalty on the battlefields of the really existing New Sudan, as the president recognised, was a function of rewards and incentives, a transaction unmediated by the promises of heartbreaking compliant virgins in heaven. No wonder the president’s speech was particularly short; it did not feature the customary celebration of sacrifice and martyrdom for the sake of the Almighty. Judging by the slogans the JEM combatants had on their vehicles, they appeared more convinced of carrying out a mission of divine providence than the RSF chaps. The JEM gave its attack column the name al-shaheed (martyr) Khalil Ibrahim, its late leader succeeded by his brother Gibreel. 
The government, following Himeidti’s lead, announced the ultimate demise of the JEM, a declaration that stretches the victory in South Darfur beyond its merit, considering that the JEM has repeatedly managed to bounce back from crushing defeats, in Omdurman in 2008 and in Kordofan in 2011. Himeidti claimed that surviving commanders of the JEM force fled back into South Sudan’s Bahr al-Ghazal where they still maintain a hundred or so combat adjusted Toyotas, in disrepair he alleged. The militia leader appeared better informed about the situation of his enemies than the SAF spokesman, or the minister of defence for that matter who parroted further his amsah..aksah whenever opportunity allowed. In Khartoum the security authorities seized on the opportunity offered by the killing of a NCP student leader in clashes with opposition Darfur students in a Khartoum university to clampdown on Darfur student associations, repeating a pattern of ethnic profiling and targeting seen after the 2008 JEM attack on the capital. The show of force in Nyala and Khartoum was an end in itself, an attempt to suppress dissidence with the shock of unrestrained power. 
Assertive and and self-satisfied, Himeidti promised the media audience new victories in South Kordofan, reiterating as if to convince himself and his troops that the RSF were ready for deployment anywhere in Sudan, not only Darfur. In the particular ways of the political marketplace, to use a concept developed by Alex de Waal, Himeidti might be asking for a higher price. In Darfur, Musa Hilal drew the ‘right’ conclusions from Himeidti’s changing fortunes. The Revolutionary Awakening Council, a political umbrella under Hilal’s authority, demanded a place at the table in the government-led national dialogue, posts in the new cabinet and at least one governorship position in Darfur while offering back a loud condemnation of the Sudan People’s Liberation Army/Movement in North Sudan (SPLA/M-N) and the Sudan Revolutionary Front (SRF). The demands coincided with rumours that Osman Mohamed Yusif Kibir, current governor of North Darfur and Hilal’s main rival, will be transferred to Gedaref in a post-elections shake up of governors. Who would take over as chief of North Darfur is in the stars, but some stars shine on Hilal’s guns or Himeidti’s. 
In July 2014, Ismail al-Aghbash representing Hilal signed a memorandum of understanding with the SPLA/M-N commander Jagoud Mikwar Murada pledging cooperation on building a democratic system of government in Sudan. Earlier in the year, Hilal’s militias seized control of the western localities of North Darfur, Saraf Amra, Kutum, Kebkabiya, al-Sireif and al-Waha, where the man now exercises authority through local administration councils, liberated areas under autonomous rule? When asked about the possible role of the RSF in reigning in ‘tribal conflicts’ in Darfur, Himeidti said the RSF lacks the mandate to do so but would welcome the challenge. The depiction ‘tribal conflicts’ has become Khartoum’s blanket diagnosis of the multiple sources of violence engulfing the devastated western periphery of the country. While the vehicles of violence are in many instances tribal, its self-propagation seems to be a structural adaptation to the abject collapse of the rural economy of the region, whereby guns are employed as means of livelihood, tools of prey in an austere environment of lawlessness. Himeidti, now a uniformed officer, spoke of “rogue elements” in Darfur as the next target of the RSF. The khamaj he has in mind, I suppose, might well involve prey on his predecessor Hilal.

Thursday, 16 April 2015

President Bashir’s elections: victory by default

Two days before the start of polling in Sudan’s ongoing elections on 13 April a quarter-page insert in the Khartoum newspaper al-Intibaha congratulated the former finance minister and leading figure of the ruling National Congress Party, Ali Mahmoud Abd al-Rasoul, on winning the parliamentary seat of his home town, Rihed al-Birdi, in South Darfur. The former minister had no need for a campaign, at most telephone calls as he spent lazy evenings in his fashionable Khartoum mansion and received visiting delegations from the area. His victory was secured because he faced not a single competitor. Seasonal migration routes of Sudan’s Baggara - cattle herders - converge in Rihed al-Birdi, the site of a large cattle market. Prominent cattle merchants in Rihed al-Birdi probably consider Abd al-Rasoul an asset, a man well connected in the centre of power whom they trust to represent their interests, knowing that he still shares their trade. 
Unlike Abd al-Rasoul, who could afford a frictionless re-election without losing face among the cattle merchants of Rihed al-Birdi, president Omer Bashir needs the decorum of competition, not so much for Sudanese voters but for the keen electoral observers from the region who busy official media with their statements of encouragement and endorsement. The secretary general of the Arab Lawyers Union announced the Sudanese vote an historic breakthrough and a landmark in Arab democracy, because he was invited to observe it. The incumbent president Bashir, in power since 1989, faces over ten contenders, but it is a challenge for a regular voter to name even one. The president nevertheless campaigned vigorously, not so much to win votes as to project authority primarily within his own party, a mutable coalition of military officers, security men, business barons, professional politicians of an Islamist mold and many who are ready to serve power whatever its character, and very importantly, patriarchal figureheads like the merchants of Rihed al-Birdi. 
The president’s electoral message, spoken in readily accessible Sudanese colloquial Arabic, has been a consistent pledge of more of the same, but contrasted with the turmoil of the Arab region. “Do you want to be like Yemen?,” president Bashir asked the crowds wherever he spoke drawing a roaring “no”, in a cycle with Libya, Syria and Iraq as further examples of state involution. The irony being that the president and his regime managed to lock the country under his rule in a comparable fulcrum of low grade civil war and displacement parting with a third of its territory in the process in the hope of maintaining power in the rump northern Sudan. The president cast his ballot in an electoral centre in St Francis school in central Khartoum, close to his professional address, the high command of the Sudan Armed Forces. A stringer for Western media scavenged after voters as the president departed only to discover that the elegant men in the short cue were themselves candidates for various parliamentary positions, ready rewards for their loyalty to the big man. Voters are hard to come by in today’s Sudan! Paradoxically, a rally of the mainstream opposition campaigning for a boycott of the elections did not attract the absentee voters either. Speaker after speaker rose to the podium to address themselves, a front row of amused listeners and a crowd of empty chairs.

Monday, 13 April 2015

Wave of arrests on eve of elections, Sunday 12 April 2015

Salwa Adam Banya - Khartoum
Musa Jojo - Khartoum
Sandra Farouq Kadoda - Khartoum
Adlan Jamal al-Din - al-Suki
Shamo Hamid Zakariya - al-Suki
Taha al-Fatih - al-Suki
Mohamed Yusif - al-Duem
Ali Omer al-Faki - al-Duem
Ahmed al-Tayeb - al-Duem
Naji Abd al-Jalil - Khartoum
Hussam Mohamed Adam - Port Sudan
Ibrahim Ahmed Jumaa - Khartoum
Musa Mohamed Osman - Khartoum
Harun Kanjum - Khartoum
Yusif Kafi - Khartoum

Tuesday, 7 April 2015

Tuesday, 24 February 2015

Rift Valley Institute Field Courses 2015

The Rift Valley Institute's field courses on Sudan and South Sudan, the Horn of Africa, and the Great Lakes take place from June to July 2015. Now in their twelfth year, the courses provide a basis for understanding current political and developmental challenges in the region. They are taught by teams of leading specialists—from the region and beyond—and offer a unique opportunity to spend time with an outstanding group of specialists, away from routine distractions. RVI courses are designed for policy-makers, diplomats, investors, development workers, researchers, activists and journalists—for new arrivals in the region and those already working there who wish to deepen their knowledge. A dawn-to-dusk programme of seminars, lectures, group discussions and special events examines the key social, environmental, political and cultural features of each of the three sub-regions.


Horn of Africa Course

13 - 19 June 2015


The Horn of Africa Course, held in Kenya from 13 to 19 June, covers Somalia and the Somali territories, Ethiopia, Eritrea, Djibouti and Northern Kenya. This year’s will focus particularly on 'borders and borderlands. The Horn’s remote borderland areas were once peripheral and largely ignored, but today are taking on new prominence thanks to oil exploration, major development projects, cross-border trade, insurgencies, federalism, regional integration proposals, and political devolution. Borders—defined along political, livelihood, and ethnic lines—remain deeply contested and flashpoints of political violence across the region. The course will also explore critical political, economic, and foreign relations issues in the Horn today, as well as providing cultural awareness sessions.

The Director of Studies is Ken Menkhaus, supported by Mark Bradbury. He will be joined by a teaching staff of—amongst others—Christopher Clapham, Lee Cassanelli, Dereje Feyissa, Laura Hammond, Nimo-ilhan Ali, Michael Woldemariam and Matt Bryden. 


Great Lakes Course

27 June - 3 July 2015


The Great Lakes Course, held in Kenya from 27 June to 3 July, covers the Democratic Republic of the Congo (DRC), Rwanda and Burundi. Elections, conflict, and changes in the region’s political economy will be at the forefront of our discussions. Presentations on the region’s complex history and society will provide the larger context for a stimulating week of discussion and learning. The Congo will again take centre stage, with a focus on the controversial electoral process, President Kabila’s succession struggle, and armed violence in the Kivus. The Course will take place shortly after Burundi’s elections, scheduled for May and June. We will take stock of the process and analyse the likely impact of the results on the country’s politics and stability. Finally, Rwanda faces the prospect of a hand over of power from Paul Kagame in 2017. We will explore this potential shift against the backdrop of governance and development in the two decades since the genocide.

Jason Stearns will direct this year’s Great Lakes Course, supported by Emily Paddon and Judith Verweijen. The directing team will be joined by Aidan Russell, Emmanuel de Mérode, Jean Omasombo, Koen Vlassenroot, Michael Kavanagh and Willy Nindorera.


Sudan and South Sudan Course

11 - 17 July 2015


Over one year into a bloody and stubborn civil war in South Sudan, political enmities, its war economy and ethnic tensions have steadily worsened, destabilising the the region. Peace deals have come and gone as quickly as deadlines and the threat of sanctions from the region and beyond. Defections, rejections, rebellions and accommodations only add to the exhaustion of efforts to build peace. In Sudan, the government manages an ever tighter grip on the state, despite insuppressible regional insurgencies, growing constellations of opposition voices, internal succession intrigues and perennial economic uncertainties. Deftly creating and exploiting political rivalries and patronage opportunities, the ruling National Congress Party (NCP) maintains its own centrifugal stability and seems in casual control of power. Oil unites and divides within and between both countries, but in Sudan especially, the need to understand the post-oil economy is stronger than ever. Elections are scheduled in both nations for 2015, yet their significance remains opaque. Seasoned commentators will feel that we have been here before. This is precisely why understanding the histories of state formation and conflict is vitally important. This year's Sudan and South Sudan Course, held from 11 to 17 July in Kenya, addresses the challenge of working in this complex, fluid environment, linking analysis of current events to contextual understanding of the region, society and economy. 

Sharath Srinivasan will direct this year’s Sudans Course. He will be joined by Daniel Large, Douglas Johnson, David Deng, Cherry Leonardi, Magdi el-Gizouli, Nada Ali Mustafa, Laura James and Suliman Baldo. 


To apply online—and to obtain further information on courses, staff, and locations--please visit www.riftvalley.net/key-projects/courses and download the 2015 Field Course Prospectus. For a general introduction to RVI courses please see our one page overview of the courses. Applications are considered in order of receipt. Places are limited. You can apply here.

Accounts of previous years' courses can be found here, and testimonials from previous course participants can be read here. In the coming months the RVI will be sending out updates on the courses, including on teaching staff and locations. In order to receive these, please subscribe to the RVI mailing list. You can also follow the Institute on Twitter and Facebook.

Sunday, 15 February 2015

Long live the struggle of the Sudanese Writers Union

A departmental head at Sudan’s Ministry of Culture issued a letter dated 29 January to the Sudanese Writers Union revoking its licence for unidentified violations of procedure. Effectively a ban, the decision was communicated to the union in a Kafkaesque statement of three lines devoid of a specific accusation or a reference clause of regulations, the type of statement that is the naked language of power. 
In a sense, this second ban of the Sudanese Writers Union brackets a history, the first ban was in 1989 when President Bashir and his fellow officers assumed power. Like other independent trade unions and professional associations, the union was prohibited, its property confiscated and its headquarters at the mugran (confluence) of the Niles in Khartoum handed over to the General Union of Sudanese Students, a mobilisation agency of the new government. 
Disbanded, the union remained a network of relationships and a staple of documents in the office of its secretary general, the lawyer and poet Kamal al-Gizouli, for sixteen years. Only after the signing of the 2005 Comprehensive Peace Agreement between the government of Sudan and the Sudan People’s Liberation Army/Movement (SPLA/M) was it feasible to reconstitute the union and regain its legal status, an effort that I had the opportunity to contribute to in 2006. Kamal chose the term ‘second birth’ to celebrate the undertaking, and it certainly was. 
Kamal invested a chunk of his poetic soul in the Writers Union but the project expanded beyond his old network and soon grew out of his mantle contrary to the expectations of many critics. The Writers Union is an association of largely urbanite and Khartoumite intellectuals and has thus been famously criticized by ‘New Sudan’ advocates as a union of’ Arab Muslim’ Sudanese writers. Considering the voracious appetite for democratic procedure at the time of its ‘rebirth’, elections for the leadership of the union were hotly contested, its mandate subject to excruciating scrutiny and its activities closely monitored by detractors and sympathisers alike. 
For many of its members, the union was a replacement political party. It was expected to issue position statements on current affairs and mobilise for political struggle. The union, however, continued to operate on known ground. It organised and hosted cultural events peaking in an annual themed conference and reissued its irregular journal. Over time, it developed a certain routine, established new headquarters after a period of nomadic operation and settled to a limited bureaucracy and an elected executive. In the process, it entered into a ‘partnership’ with business and its events featured advertisements of the telecommunications giant Zain (Sudan) for a year or so. 
The radical bend the Writers Union had in its beginnings, when it was densely inhabited by leftist intellectuals, has been greatly ‘straightened’ in recent years, whether in consequence of the general fatigue of the left or the implications of Sudan’s neo-liberal transformation. Today, it is largely an association of liberally minded intellectuals, but that is already too much for the caretakers of power. The explanation, I presume, is that it continues to cherish a threatening principle. It is a free association accessible to all willing Sudanese writers without religious, ethnic, sectarian or gender restriction, and beyond that it successfully funds itself without need for government largesse and it organises! 
The threat of this simple principle continues to enrage the security authorities each time they are reminded of the existence of the Communist Party. Tijani Tayeb, the late veteran leader of the party, probably had this principle in mind in a brief speech he made to a celebration in Cairo exile back in 1996 marking the fiftieth anniversary of the Communist Party. “The early communists stormed an unknown to them and to the Sudanese society by establishing a party of a new kind without prior experience,” he stated. The authorities might ban the Sudanese Writers Union but this principle, a living legacy of the Communist Party which it once vigorously transplanted into the trade union movement, it can never ban. Hence, long live the struggle of the Sudanese Writers Union.

Monday, 26 January 2015

ترجف وانت في قصرك


افتتح الرئيس عمر البشير الإثنين 26 يناير قصره الجديد على النيل الأزرق، وهو منحة صينية وعد بها الرئيس الصيني السابق هو جنتاو إبان زيارته الخرطوم في 2007، تزامنا مع ذكرى تحرير الخرطوم المائة والثلاثين. تولى هو جنتاو الأمر في الصين عام 2003 وغادر مقعد الرئاسة في 2013 ليحل محله الرئيس الحالي شي جين بينغ بحسب مواقيت الحزب الشيوعي الصيني، مارس كل عشرة أعوام. بهذا الحساب فإن البشير من دفعة الرئيس الصيني الأسبق جيانغ زيمين الذي استمر عهده من 1993 حتى 2003 أو بالأحرى سابقه يانج شانج كون والذي حكم لفترة أقصر من 1988 حتى 1993 وقت كانت الرئاسة الصينية منصبا صوريا منفصلا عن السكرتارية العامة للحزب الشيوعي محل السلطة الفعلية.
عاد الرئيس البشير من المملكة السعودية حيث أدى واجب العزاء في وفاة الملك عبد الله ليفتتح قصره الجديد. تولى عبد الله الحكم في 2005 خلفا للملك فهد الذى تولى المنصب في 1982، سبعة أعوام قبل أن يدخل البشير القصر القديم رئيسا في 1989. إذا كان في الحكم آية فآيته الزوال، وحياة الفرد البشري لا تعدو أن تكون خدشا في مجرى التاريخ، لكن الرئيس البشير الذي مر عليه أربعة من رؤساء الصين وانقضى عهد ملكي بأسره في الحجاز وهو في منصبه لا يدرك من آية الغرور هذه إلا دوام العناد. ها هو يستعد لدورة من الانتخابات حرص حزبه المؤتمر الوطني بسطها له لا تردع نساؤه ورجاله حتى النصائح الصينية أن لحزب الحكم الواحد مطلوبات أولها تغيير الوجوه والصور. أخذ المؤتمر الوطني ببعض هذا الدرس المعاد لكن تعذر عليه أن يجري على الرئيس ما أجرى على الأدنى مقاما في التباديل والتوافيق التي تحكم تركيبه القيادي وقسمة السلطة بين مكونات الحكم. بدأت في 26 يناير بالتزامن مع افتتاح القصر الصيني على النيل الأزرق جلسة المباحثات السنوية، وعنوانها "الحوار الاستراتيجي"، بين المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي الصيني في بكين، ولعل رفاق الصين سيعيدون على مسامع غندور وفريقه ما ظلوا يرددونه في هذا الشأن كل عام.
يسخر الرئيس من نفسه بافتتاح قصره الجديد في ذكرى تحرير الخرطوم، يوم اقتحمت جحافل المهدية الظافرة جاره القديم في حلف ثوري عريض، كسرت شوكة الاستعمار ووكلائه وأطاحت بساكن القصر وزبانيته، وهو من هو في مقام الإمبراطورية، بطل الصين الذي عبأت قصصه الأساطير. من كان يتوقع أن تطيح به جماعة "دارويش" في قفر افريقي لا ذكر له؟ ربما انتبه لهذا المعني نائب الرئيس حسبو فزعم أن الإنقاذ دورة ثانية من المهدية، وكأن التاريخ بيده، ومن يأمن غدر التاريخ فمثل "شباب" الرئاسة غافل عن قوانينه. 

Sunday, 18 January 2015

Ustaza Madiha: an editor against a vengeful state

Madiha Abdalla, editor-in-chief of al-Midan
Sudan’s prosecutor of crimes against the state summoned on Wednesday 14 January the editor of the Communist Party’s newspaper, al-Midan, to his offices in Khartoum for interrogation regarding charges filed against her by the country’s militarised security apparatus, the National Intelligence and Security Service (NISS). Madiha Abdalla, a journalist and mother, faces charges under four articles of the criminal law: article 21 ‘complicity in criminal action’, 50 ‘undermining the constitutional order’, 63 ‘call for opposition of public authority with violence and criminal force’ and article 66 ‘publication of false news’, in addition to a charge under article 24 of the press and publications law ‘responsibility of the editor-in-chief’. The prosecutor referred the case to court and she was released on bail. 
The NISS based its charges on a report in al-Midan quoting Abd al-Aziz al-Hilu, deputy chairman the Sudan People’s Liberation Army/Movement in North Sudan (SPLA/M-N). Al-Hilu issued a statement earlier in the month in support of a protest sit-in in Lagawa of West Kordofan, where hundreds of people remain camped for more than two months in front of the locality headquarters demanding employment opportunities and improvements in public services despite anxious mediation efforts by the local chapter of the ruling National Congress Party (NCP) and affiliated community figures. Al-Midan offered its readers regular updates on the stubborn sit-in and the demands of its organisers, an issue wholly neglected by the mainstream press. The NISS is evidently keen to silence the already anaemic paper, the last surviving mouthpiece of an opposition party, and next to al-Ayaam a publication where the NISS has no editorial influence and can only confront with the tools of censorship and confiscation. 
I came to know Madiha in 2005, during the hiatus of press freedom in the interim period of the 2005 Comprehensive Peace Agreement (CPA) signed between the government and the Sudan People’s Liberation Army/Movement (SPLA/M). I had started writing for al-Ayaam where Madiha was an established journalist. She wrote diligently on the material manifestations of class deprivation and initiatives of popular action across the country. In contrast to the mainstream preoccupation with the high-fly politics of declaration, Madiha invested her energies in investigating the affairs of the ahali (Arabic for ‘natives’, a term from the colonial dictionary still in use by the educated elite to refer to the mass of the population). She wrote notable reports on the employment of health insurance cards as a tool of political appeasement in suburban Khartoum, and investigated in great detail the operations of the Zakat chamber, a notoriously corrupt institution established with the aim of collecting Muslim alms, an article of faith, and distributing the proceeds to religiously defined recipients including the poor and needy, recent converts to Islam, those heavily indebted while attempting to satisfy their basic needs, unsalaried combatants engaged in jihad and the zakat collectors themselves. 
A main focus of Madiha’s work continues to be the multiple modes of exploitation of rural women, the consequences of rural to urban migration and the steady waves of expatriate labour migration on the family and rural livelihoods. In that regard, Madiha is heir to the emancipatory trend championed by the legendary Fatima Ahmed Ibrahim as editor of the monthly Sawt al-Mara (est. 1955), the organ of the Sudanese Women Union. Sawt al-Mara did not survive the demise of the Sudanese left in the early seventies but its pulse can still be detected in Madiha’s journalism and editorial style. 
When the veteran editor of al-Midan, al-Tijani al-Tayeb, passed away in November 2011 the bureaucracy of Communist Party named Madiha as his successor, and she energetically took up the position. Veteran party stalwarts probably saw in Madiha a safe bet, an editor who would be trusted not to claim any autonomy for al-Midan. However, she has since been struggling to transform the rather unappealing mouthpiece paper into a publication capable of reaching out beyond the party audience, a challenging undertaking to say the least. For over a year, from May 2012 to June 2013, al-Midan was barred from publication by order of the NISS but Madiha and her team continued to issue the paper online defeating the objective of the order, namely forcing the paper to shut down or accept operation under editorial instructions of the NISS. Madiha’s struggles are multiple, an internal struggle within the Communist Party to secure health editorial space for al-Midan, permanent confrontation with the security authorities and the greater challenge of creating an emancipatory publication under severe financial and professional strain. The charges against Ustaza Madiha carry the death sentence. When I talked to her about it this week, she shrugged off the threat with the dismissive ‘ah’ known to me from life-hardened mothers.

Sunday, 4 January 2015

Independence blues: the palace and the doe

President Bashir’s head bobbed in rhythm from right to left reflector as he read out his Independence Day speech on 31 December in the gardens of the Republican Palace in Khartoum. To his audience were invited the grand and prominent of the capital in preserved colonial fashion, seated neatly row after row by order of significance. The president ‘s face, photoshopped to glamourous infinite youth, looked down on the audience from the height of the palace front, to the left and right extended the colours of the Sudanese flag. Erected at an angle from the podium was a theatre for the musical performance, its background Meroitic figures carved in steel and flashed generously with colours. Some money was spent on fireworks but obviously the contractor had slashed off a hefty cut. 
The president and his deputies sank into their overcomfortable armchairs, fingers tapping along with the ‘national’ songs intercepted by a compere overwhelmed by the excess of authority, senior military, police and security officers in their best uniforms, ministers and ruling party high priests, and Hassan al-Turabi. The elderly sheikh told the press the day after that he took the opportunity to contemplate on power and its trepidations, and obviously the fifty nine years of national government. Turabi’s right hand man, Kamal Omer, said the president’s speech was positive but lacked “depth” regarding efforts to bring the armed movements on board the promised ‘national dialogue’. The president had, following established habit, reiterated his invitation to rebel groups to come and join the roundtable of dialogue after an excursion into Islamic theology declaring ‘dialogue’ a principle of divine providence. 
Last year it was Sadiq al-Mahdi, now in self-exile, who was the star of the president’s show. He was duly decorated with the first class order of the republic together with Mohamed Osman al-Mirghani. In the president’s mind, the US Central Intelligence Agency and the Israeli Mossad wooed Sadiq into alliance with the Sudan Revolutionary Front (SRF) with the promise of waging a Libya-style campaign beginning with declaration of a Sudanese Benghazi in al-Fasher. Sadiq al-Mahdi went even further in his strategic ‘thinking’. He told the London-based al-Araby al-Jadeed in an interview timed with the anniversary of Sudan’s independence that Israel plots to divide Egypt into three and Sudan into five statelets, but the US and the international community reject these devises because fragmentation would offer terrorist movements golden opportunity to expand. The Americans and the British did not even want South Sudan to secede, he declared.
Dedicated opponents of Sadiq al-Mahdi ignored their basic criticism of the imam and his religious authority to declare the twice former prime minister once again a flag bearer of imminent democracy. Sadiq al-Mahdi and Yasir Arman personalities of 2014, it was declared. The 79 years old Sadiq told supporters in a touching birthday message (the imam was born on Christmas day and his superstitious inclinations are no secret) that he intends to step down from leadership of the NUP and in the same sentence affirmed that he will continue to lead it. Sadiq promised to transfer his property to his daughters and sons in the new year and withdraw to a life of scholarship. He made it clear that his son Abd al-Rahman remains an Ansari by faith and a member of the NUP despite his decision to serve as President Bashir’s assistant. Nobody can strip Abd al-Rahman of his Ansari skin or exclude him from the NUP, said the revolutionary father ‘in exile’. 
Sudan’s liberal literati bemoaned independence as a sorry history of deterioration from a golden era of colonial endowment, naming of course the usual list of wasted assets: University College Khartoum, the Gezira Scheme, Sudan Railways and the mythically efficient civil service. The wailing was loud across political and ideological hues; a former Turabist, a declared follower of Mahmoud Mohamed Taha, a former Salafi and effendis of sorts echoed each other in the annual mockery of independence extending to national loathing. In this palace history there are no nas (people), only effendis and officers deadlocked in a cycle of failures told and retold ad nauseam
Khalil Farah, a poet of profound gift, feminised the notion of freedom from colonial hegemony in his timeless Azza, a classic of early Sudanese nationalism turned blunt by repetition and bastardisation. Nada Wanni translated a portion of the text in a critical study of Khartoum’s poetry

Azza, in my heart

Your magic is sacred

The fire of your love

A healing force.

Azza, I have not forsaken

The home of beauty

Nor have I desired anything

Other than Perfection.

Azza, in your love

We rise like the mountains

And to him who dares

Desecrate your purity

We turn into spears.

This year, I celebrated independence by translating Azza’s contemporary parallel, a love song from the Kordofani master Mastoor Bakheit. Here is a fragment: 

The doe of Um Ganafa

And her kohl eyes

She fled her abode leaving her lovers to perish

The doe of Um Ganafa

Her eyebrows rounded

Her skin brown and her cheeks blossom

For you I cry and my tears flow

Sheikh of the gubba I seek your help

Fix my heart it is about to fly out of my chest

Perplexed I am 

My food worries and my drink cigarettes

She abandoned me, closed her mobile

Forget missed calls, not even text messages pass through

The doe of Um Ganafa

And her kohl eyes

She fled her abode leaving her lovers to perish

Lady of my passion, how can I forsake you?

I will pursue you with the firearm I carry

I grab it, oh people, aiming to hit

I pull the trigger but up goes the barrel

And taw...taw…taw… my bullets miss