Sunday, 4 June 2023

نعي رؤيا حسن أو نعي العالم الذي كاد

تناقل أصدقاء وقراء المرحومة رؤيا حسن خبر وفاتها بين مصدق ومكذب. ومن المتداول أنها رحلت بعلة الملاريا في وقت تبضعت فيه الخدمة الطبية تحت الشروط الحربية للسودان الجديد. قرأت للمرحومة رؤيا حسن كلمة عن توحش قوى الدولة في مواجهة مناضلين مثل المرحوم "ود عكر" وجعلت منفذها لهذه القضية الإذلال بحلاقة الشعر. التقيتها لبرهة قصيرة في مكتبة "الوراقين" في الخرطوم ٣ وكانت تستعد وقتها لكتابة كلمتها المذكورة. سألت عن مصادر تستعين بها ونضمنا ما تيسر عن الطلاقة في مواجهة الضبط والربط. 

اشتعل التوحش الذي ميزته المرحومة رؤيا في كلمتها الوسيمة تلك حربا، وصارت الجغرافية التي جعلت ذلك اللقاء ممكنا، أثرا في خريطة عسكرية، ثم غادرت هي هذا العالم المتوحش في سكة السلامة الأبدية. ونعي المرحومة رؤيا بعض من نعي شفرة الإنسانية التي أضاءت في كلماتها المشرقة. والخرطوم التي يبكت عليها مبكت والآخر في محنتها الدموية الراهنة بعلم أو بجهالة، كانت تحمل في سرة تناقضاتها إمكانية أن تنهض فيها مثل المرحومة رؤيا بالحق والخير والجمال، تحفر بإبرة علمها في حوائط هياكلها العرقية وبواطنها الطبقية، الحفر الذي قال عنه المرحوم كارل ماركس أنه شغل لا مناص منه لإدراك العلم بالتاريخ حقا لا قوالة ومكاواة. 

 غادرت المرحومة رؤيا في هذه الساعة المتوحشة، وتركت الاجتماع الذي صار جثثا بين "بل جغم" و"زايلي وزايل نعيمكي" لوحوش مثلنا. من تراث الصوفية في السودان النيلي أن الكرب الشديد يزول بفداء الصالحين. مات السيد الحسن الميرغني بالطاعون فانقطع لوقته ومات الشيخ طه ود عبد الصادق في رفاعة بأب فرار فانحبس عن قبض غيره، فلربما فدت هذه المرأة رقيقة العبارة بما فيها من حق وخير وجمال سواها.