Wednesday, 30 October 2024

لحن الحياة منك

نُشرت هذه الكلمة في مجلة «أتر»، العدد ٥١ بتاريخ ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٤

نشر نفر كريم من أطباء السودان وعلمائه في لانست، عمدة المجلات الطبية البريطانية، في ٢٤ سبتمبر الماضي، تعليقا قصيرا أثبتوا فيه هول مصاب شعوب السودان في الحرب القائمة، وجاءوا بالأرقام التي تتداولها المنظمات الدولية عن القتل والمسغبة والمرض والتهجير والاغتصاب والتعذيب وخراب الزرع والإنتاج. ونقلوا ضمن ما نقلوا عن مدير منظمة الصحة العالمية، الذي زار بورتسودان في سبتمبر، أن المنظمة لم تستطع تأمين سوى ٢٤٪ من التمويل الذي طلبته لمجابهة الأزمة الصحية في البلاد. اقترح هذا النفر الكريم ذوي التجربة والخبرة في الخدمة الصحية العامة وعلوم سريرية ذات صلة، منها طب الأطفال وطب النساء والولادة والأمراض المعدية وطب المناطق الحارة والجراحة، خطة محيطة لمجابهة الاحتياجات الإنسانية العاجلة والتهيئة للتعافي طويل الأمد. 

الخطة المقترحة ذات أهداف قابلة للقياس حول سبع مسائل: التغطية الإعلامية الدولية الضنينة للحرب، النزوح واللجوء، الماء غير الآمن ونظافة البيئة، تهديد المجاعة، انهيار البنى التحتية للرعاية الصحية، العنف الجنسي المرتبط بالصراع، ضعف العون الإنساني الدولي. وقالوا إن محاولات مجابهة الحاجات الصحية العاجلة لا بد أن تتصل بجهود إعادة الإعمار بعد نهاية الصراع في سياق واحد لتحقيق تعافي مستدام. 

جاء هؤلاء النفر العزيز إلى الكارثة القائمة بعبارة مهنية دمثة، وسلسلة من الإجراءات التي يمكن القيام بها وقياس فعالية تنفيذها، مسألتهم فيها ترميم وإصلاح نظم المياه والمراحيض والعون الغذائي واستعادة الإنتاج الزراعي وترميم منافذ الخدمة الصحية وتشغيل العاملين في القطاع الصحي وتدريبهم وغير ذلك من أوجه الحياة. الافتراض المضمر لتحقيق جميع هذه الأهداف بطبيعة الحال هو استعادة الأمن. ورصد النفر الكريم هذا الشرط بعبارة «ممرات آمنة» للنازحين واللاجئين و«مواقع آمنة» لخدمة من تعرضوا للعنف الجنسي، وتفادوا خلا ذلك الخوض في عقدة الحرب، وامتثلوا بذلك لحياد مهنتيهم في الأخذ بأسباب الحياة حيث توفرت، لحن الحياة، وصمتوا عن سواها، وأحسنوا بذلك وما ضروا. لم يرد العارض الحربي إلا في موقع وحيد، وذلك في ذكرهم لتأثير التغطية الإعلامية على قرارات صانعي السياسات واستعداد الطرفين المتحاربين للتفاوض. 

لكن، كيف ينفذ هذا الشرط الغائب؟ جاءت على كل حال إجابة ظاهرة من اللاجئين في فيصل القاهرية، ومن جمهور في كسلا ودنقلا والفاشر وعطبرة والدامر وبورتسودان والأبيض، احتشدوا محتفلين مستبشرين بالتقدم العسكري للقوات المسلحة في مسارح حرب الخرطوم. سقم بفرحهم متحدث الدعم السريع فقال «فلول» صرف. وسقمت متحدثة «تقدم» السابقة فكتبت «أفراح بني معلوف»، كناية عن البهائم. وكتب آخر العقدة في الذي بين أولاد البحر وأولاد الغرب من غبينة، فأخرج من حيث لا يدري كيكل ونفره من البحر والمشتركة ونفرهم من الغرب ليصفو له طرفا التناقض. وسقم كذلك الزعيم في «تقدم»، خالد عمر يوسف، بهذه الأفراح، واعتمد معسكرين، أنصار الحرب وأنصار السلام، وتفسيرهما بالسابقات معارضي «تقدم» وأنصارها. جعل الأفراح من شأن أنصار الحرب، وقال شاهت نفوسهم بالأهوال وعملتهم بذلك «ما بتسير».  

لا يغيب عن القارئة الفطنة أن ثوب كل قياس فات يقصر عن تغطية عورة حربنا «العبثية»، وقد وقعت ودخلت «كل دار، كل ممشى». فكم من «فلولي» يحارب تحت رايات الدعم السريع، والدعم السريع كان ضلعا عظيما في هندسة «الفلول» الأمنية، وكم من «ثوري» يقاتل في صفوف القوات المسلحة، و«مورال» المشتركة في الدفاع عن الفاشر المحاصرة منذ شهور لا يضاهيه «مورال». الحرب أقصى درجات الصراع الاجتماعي، بعبارة ماو زيدونغ، وليس ثمة جبل يأوي إليه من يطلب اعتزالها المجيد فلا يبلغه طوفانها، فما حسبتها إذن؟ لن نبلغ تمام هذا الحساب على طريقة «الإجابة الصحيحة» و«كل ما سبق». لكن نفوسا في الجنينة والفاشر والضعين وود النورة والحلفايا وأم درمان وسواها على امتداد البلاد تنتظر في سفينة نوح أن تحلق بومة منرڤا، بومة الحكمة، عند الغسق، وقتما تنجلي المعركة، لتعرف بأي ذنب قتلت.  

Friday, 4 October 2024

يدكم خليها تكون قصيرة شوية

جاء دكلان ولش، مراسل نيويورك تايمز الأول في افريقيا، وزميله كرستوف كوتي، للمرة الثانية بالثابتة في شأن المدد الحربي الإماراتي لمقاتلي الدعم السريع تحت ستار العون الإنساني وبقماشة الهلال الأحمر الإماراتي، وذلك في عدد الجريدة ٢١ سبتمبر الجاري. وسبق وجاء وزميلاه كوتي واريك شميدت بطرف من هذا العون الحربي العام الماضي في عدد ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٣.

حال الحول على هذا المدد الكريم من الإماراتيين لآلة القتل والنهب التي أخرجت أثقالها في حضر السودان وريفه. رصد وولش وكوتي في تقريرهما الأخير أركان جريمة حرب إماراتية بشهادة   متحدث اتحاد الصليب والهلال الأحمر توماسو ديلا لونغا عن إرسال الاتحاد فريقا إلى تشاد للتقصي حول الأمر في ٢٠٢٣ و٢٠٢٤، فعركس الإماراتيون ورفضوا دخول الفريق إلى "المستشفى الميداني" في أم جرس التشادية لأسباب أمنية. كما قال مسؤول في منظمة الهجرة الدولية لمراسلي التايمز: "يستغل الإماراتيون الهلال الأحمر كغطاء لنقل السلاح إلى مليشيا ترتكب الفظائع راهنا في دارفور."

ربما بلغ صوت مراسل النيويورك التايمز ولش، الخواجة الآيرلندي، أبعد من صوت اللاجئ السوداني الذي وجه حديثا ظاهرا إلى الوزيرة الإماراتية لانا زكي نسيبه، خلال زيارتها في منتصف سبتمبر الجاري لمستشفى تشادي لاستعراض كرم بلادها، فقال للسيدة الوزيرة ما هماه شي: "تعلمون جيدا أنتم اليد الأيمن في إيقاف الحرب وأنتم اليد الأيمن في اشتعال الحرب في السودان. لذلك ده مطلبنا. من الآن لا بنطلب أكل، لا بنطلب شراب، لا بنطلب لبس، لا بنطلب تعليم، لا بنطلب صحة، لا بنطلب مسكن. لأن الشعب التشادي ما قَصّر، وفروا لينا الحاجات دي كلها، الشعب التشادي وفر لينا الحاجات دي كلها. قاعدين في بيوتهم، وبناكل معاهم وبنشرب معاهم، وبنلبس معاهم، وكل شي معاهم. بس دايرين منكم، بس لو دايرين تكرمونا وقفوا لينا الحرب في السودان ده. تاني ما دايرين أي حاجة. وقفوا لينا الحرب الفي السودان ويدكم خليها تكون قصيرة شوية. جزاكم الله خير."

والصوت ومداه، وما يُسمع وما يُذاع وما يُعتد به وما يُطمس في موقعه، ما يُؤخذ به وما يُهمل، دالة للشوكة، لا للحقيقة. ومن ذلك حقيقة حرب رأس مال حكام الإمارات على شعوب السودان، سيان فيها الوكيل لشيوخ الإمارات والمقاوم لبأسهم، المُنْفَنِس والقائم، فالحرب على كليهما. لا تبلغ هذه الحقيقة اللوغاريثمات الدولية للشوكة سوى كفضيحة تُوارى في غبار الكلام الماسخ عن ضرورة وقف العدائيات والتصدي للمأساة الإنسانية، حرب تتنكر كسلام. ويبلغ شِعر الشوكة أقصى الكهانة في مثل الذي صدر من البيت الأبيض في مناسبة زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات العربية المتحدة، ولقائه الرئيس بايدن. أمن القائدان بحسب بيان البيض الأبيض على أن الشراكة الدفاعية الاستراتيجية بين بلديهما قائمة وديناميكية، وعبرا عن قلقهما العميق من الأثر المأساوي للعنف في السودان على الشعب السوداني والبلاد المجاورة، وأكدا ألا حل عسكري للصراع في السودان، وأمنا على موقفهما الثابت حول ضرورة العمل الملموس والعاجل لتحقيق وقف مستمر للعدائيات؛ العودة إلى العملية السياسية والتحول إلى حكم يقوده المدنيون. وأضافا أن الأولوية الآن هي لحماية المدنيين، بخاصة النساء والأطفال وكبار السن، فعلى من يتهكمان؟ هل على اللاجئ الذي أشار بسبابته إلى سحت الهلال الأحمر الإماراتي لسان حاله: الله الغني.