Wednesday, 26 March 2014

ده الحوار الدايرنو ليك

نعى غازي صلاح الدين العتباني، قطب المؤتمر الوطني السابق، وقائد حركة الإصلاح الآن، في كلمة "قنعانة" مؤخرا الحوار الوطني الذي دعى إليه الرئيس البشير في خطاب "الوثبة" باعتباره سلة مهملات سياسية مصيره "التلجين"، وعدد في هذا المعنى مراحل اندهاشه المتكرر من وعود الرئيس التي لا بر لها. لغازي كل الحق في إحباطه إذ أمل أن يجرى على يد الرئيس شفاء لداء الوطن واستعد بالعزم لذلك، سعى إلى قادة الأحزاب يعرف بحركته الجديدة وأرخ لكل اجتماع ببيان وصورة إرشيفية، ثم طمت بطنه مما شهد في صحراء السياسة بغير مظلة الحكم.
ليس غازي وحيدا في أمله، فالأمل كذلك قوي عند حسن الترابي وحزبه وعند الصادق المهدي وحزبه، بل جر الأمل الاتحادي الديمقراطي إلى حوش الحكومة "تووش" قبل أن تنبس شفة الرئيس بوعد الوثبة، لا حوار ولا محركة، وما الداعي إذا كانت مقاعد الوزارة لين فرشها لمن والى، قام عنها وزارء الحركة الشعبية فاستقبلت وزارء الاتحادي الديمقراطي، شركاء الحكومة العريضة. الرئيس، الذي يتهافت على مجلسه المتهافتون، أعلن في بورتسودان بدغرية صاحب الملك، أن الحوار الذي في باله حكومة أعرض وكفى، لا انتقالية ولا قومية، بل عريضة بفيونكات.
واقع الأمر أن الرئيس يطلب بحواره تجديد شبابه السياسي، فكأنه يعرض مقاعد الوزارة في عطاء لمن رغب، حدد شروطه وأحكمها، وعلى المتقدمين استيفاء الشروط وإرفاق ما يلزم من مستندات، بما في ذلك خلو طرف من خدمة الوطن على الحقيقة والتعهد بخدمة السلطة على بلاطة الولاء. باعتباره صاحب العلامة التجارية المهيمنة في سوق السياسة استعد الرئيس لعطاءه بإفراغ دست الحكم ممن طال بهم العهد، علي ونافع وعوض وآخرين، من ظنهم الناس أسيادا أصحاب تنظيم وشوكة، وهم في واقع الأمر حاشية مدنية لسلطة عسكرية تقوم وتقعد بشورى المشير ورفاقه الضباط.
لا غرابة إذن أن هرول المؤتمر الشعبي لمجلس الرئيس يعرض عطاءه، أزال قادة الحزب عن أنفسهم غبار المعارضة، حريات وما إلى ذلك، بتيمم سريع في أديم القصر، حجتهم كما ورد على لسان كمال عمر أنهم تابوا إلى الوثبة مع الرئيس بوازع التدين، فالمؤتمر الوطني كما قال "قدم تنازلات كبيرة وكافية من أجل الحوار". تشنقل كمال عمر في منطقه كل الشنقله فشبه الأمر لمحدثه فتح الرحمن شبارقة في مقابلة نشرتها الرأي العام (الأحد، 23 مارس) بتحول سيدنا عمر بن الخطاب من الجاهلية إلى الإسلام، متسائلا "هل يمكن أن أحاكم سيدنا عمر بكفره قبل الإسلام؟" عبأ المحبوب عبد السلام تحول المؤتمر الشعبي في كلمة طويلة تنشرها الرأي العام في حلقات عمادها القول أن تكاثر الخطوب يتطلب الحوار وإلا فويل لكم وويل، وهو قول صحيح، لكنه ليس حوار الرئيس الذي فر منه غازي، بل حوار بين القوى الاجتماعية الخارجة على النادي السياسي المخاتل حتى تستعد لنزع شوكة ضباط القصر وحاشيتهم، مقامرين ومقاولين، وتجعل محلها سلطة لغمار الناس يتحرون بها مصالحهم ويحققونها.  

No comments:

Post a Comment