Monday, 27 August 2018

في ذكرى فاطمة: جغرافية الحركة النسوية وآفاقها

وافق يوم ١٢ من هذا الشهر الذكرى الأولى لرحيل السيدة فاطمة أحمد إبراهيم، رائدة الحركة النسوية في السودان ورمزها الأول. كانت السيدة فاطمة زميلة نضال لأجيال من النساء والرجال، ألهمت الأفئدة وضجت بها النفوس وتركت كغيرها من الرواد في كل مجال ميراثا لا يمكن التغاضي عنه ولا تجاوزه سوى بعبور ديالكتيكي إذا جاز التعبير، وذلك أغلب الظن شرط كل تقدم. في هذه المناسبة يحق التساؤل عن مواقع نضالات المرأة في سودان اليوم وآفاق تلك النضالات واتجاهاتها وهو باب لشغل الفكر عظيم. لم تعدم السيدة فاطمة الخصومات ولم تتحاشاها، ومن ذلك الصراع الذي نشأ بين جيل من المناضلات على خطة الاتحاد النسائي من جهة ومن سلكن دروبا مغايرة في التصدي لقضايا المرأة أو من طرحن أولويات وصيغ جديدة لهذه النضالات لم تعن للاتحاد النسائي أو استنكرها من جهة أخرى. 
اختصرت الأستاذة هالة الكارب في كلمة احتجاجية من العام ٢٠٠٧ هذا الصراع في جملة قضايا تتصل ببعضها. كتبت الأستاذة هالة أن فاطمة هي صنيعة الذكورية السودانية لم تجابه هذه السلطة بصورة ثورية بل دجنت الحركة النسوية في حدود التقاليد المرعية لعرب السودان المسلمين. من ثم، خلصت هالة إلى أن منجزات الاتحاد النسائي تحت قيادة فاطمة لم تتحقق بدفع ثوري من الاتحاد بل كهبة من السياسيين اليساريين والليبراليين في ستينات القرن الماضي الذين استشعروا ضرورة هذه التغييرات ووجدوا في الاتحاد النسائي شريكا طيعا. بحسب هالة لم يسع الاتحاد النسائي نساء السودان بتنوعهن الإثني والديني وكان في أحسن أحواله واجهة لسيدات الوسط النيلي المحتشمات. استهجنت هالة في كلمتها طهرانية فاطمة وتشديدها على السلوك المحافظ، الأمر الذي انسحب بدوره على الاتحاد النسائي، وأضافت أن فاطمة اتخذت من السلوكيات الشخصية مادة للتصدي للخصوم. خلاف ما جاءت به هالة، أخذت نسويات أخريات على الاتحاد النسائي في عهد أفوله إهماله للقضايا النسوية المباشرة وانشغاله بالصراع السياسي في حلف الحزب الشيوعي. 
خلاصة هذه الانتقادات أن الاتحاد على خطة فاطمة كان ناقص النسوية أو عديمها بالكلية ساهم في تعزيز الذكورية وتأكيد سيادة القيم التي تفرضها على النساء بدلا عن مقاومتها كما عجز عن تجاوز الحجاب العرقي والطبقي الذي يفصل بين سيدات الوسط النيلي المحتشمات وبين نساء السودان من قوميات أخرى. إذا صحت هذه التقديرات يصح أيضا التساؤل عن نجاعة الخطة أو الخطط البديلة التي انتهجتها النسويات السودانيات للتصدي لقضايا النساء ما بعد فاطمة، أي دروب سلكن وماذا كان كسبهن حيث تقاصر طريق فاطمة؟ لا يمكن الإحاطة بهذه الأسئلة بغير شغل ميداني لذا ستقتصر المناقشة فيمايلي علي تجويدها وترتيب سياقها. 
ميزت البروفسورة بلقيس بدري في مسحها لصيغ النسوية في السودان (٢٠٠٦) بين أربع تشكيلات، أولها النسوية الأكاديمية وهذه في تقديرها مشغولة بضخ معارف نقدية نسوية في المجال العام، تطور من موقعها الجامعي أطرا أو أدوات نظرية لتحليل علاقات القوى الجندرية تاريخا وحاضرا وتدفع بهذه المعارف للناشطات النسويات في المجتمع المدني ومنظماته. هؤلاء يمثلن في تقدير البروفسورة بدري التشكيلة الثانية وتتجلى فيهن بعبارتها حيوية المجتمع المدني بجميع تناقضاته وصراعاته. أما التشكيلة الثالثة فتشمل النسويات في هيئات اتخاذ القرار في الحكومة والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والرابعة تضم الأفراد، نساء ورجالا، من الحريصات على ترجمة النسوية إلى تحولات في حياتهن الشخصية والأسرية.
تعود البروفسورة بدري في موقع آخر من مسحها لتفرق على مستوى المجتمع المدني بين النسويات الإسلاميات والعلمانيات. بخصوص المجموعة الأولى تقترح البروفسورة بدري تصنيفا آيديولوجيا بين الإسلاميات المناصرات للحكم القائم اللواتي يقدمن قضايا تمكين النساء في المجال العام على قضايا التمييز ضد المرأة في المجال الأسري والخاص متفادين بذلك أي تصادم مع العقائد الذكورية ذات المشروعية الدينية وبين السلفيات المعاديات للنسوية علي إطلاقها وبين صف ثالث من الإسلاميات يعتقدن في وجود فرصة لإعادة تفسير المقولات العقدية لفض الاشتباك بين الإسلام كدين والنسوية المعاصرة. فضلت البروفسورة بدري في وصفها مجموعة النسويات العلمانيات على سواها فهي في تقديرها تضم نساء ورجالا وتتسع لتشمل نسويات في أنحاء البلاد تجمع بينهن خطة للتحرر على أساس الأجندة النسوية الدولية أي مواثيق الأمم المتحدة ومقترحات المؤتمرات النسوية الدولية، وهذه في تقييمهن خلاصة تراث كوني وليست بالضرورة غربية المنشأ. 
اعتمدت البروفسورة بدري في مسحها الشارة الآيديولوجية، علماني وإسلامي، لتصنيف التيارات النسوية مع تقرير تراتب بين صف أعلى أكاديمي مهمته التنظير وصف حركي مهمته التنفيذ لكن ذكرت في معرض وصفها أن النسويات، إسلاميات وعلمانيات على السواء، يمثلن صفوة الطبقات الاجتماعية العليا والوسطى دون إسهاب في دلالة هذا الموقع الاجتماعي على تصور الحركة النسوية لنفسها ولمجالات نشاطها ولأهدافها. تعود مقولة حركتين نسويتين، علمانية وإسلامية، إلى مقارنة سوندرا هيل بين الاتحاد النسائي، التي عدته فرع مرأة  في الحزب الشيوعي وبين نساء التيار الإسلامي. حكمت هيل على الإثنين بنقص النسوية وقالت كل أهدر سؤال المرأة بطريقته، الأول بإخضاعه تحرير المرأة لأولوية الصراع السياسي والثاني بتصوير المرأة آيقونة ثقافية، هذا بينما قبلت بنسوية الإسلاميات فرادى. علقت هيل على جاذبية وعد تحرير المرأة من موقع إسلامي وجاءت مستحسنة برأي المرحوم حسن الترابي أن اضطهاد المرأة خصيصة للذكورية العربية ولا شأن للإسلام بها على لسانه وعلى لسان سيدات من الصف الإسلامي قالت بصفاء نسويتهن ولو إسلامية. أجرت هيل مقابلاتها مع وصال المهدي وسعاد الفاتح في ١٩٨٨، قامت منذها للإسلاميين والإسلاميات دولة وسقطت. في المقابل، انحبست النسوية العلمانية كما في تقرير البروفسورة بدري في لعب دور الوكيل المحلي لبيروقراطية نسوية دولية موقعها مكاتب الأمم المتحدة.  
عابت الأستاذة هالة الكارب على فاطمة الحساسية الثقافية التي أصبحت في صيغة هجومية موردا للنسوية الإسلامية تفوقت به على منافستها العلمانية، إن كانت على خطة فاطمة أو على خطة البروفسورة بلقيس بدري. فوق ذلك، مثل وعد التحرير على سنة الله ورسوله معبر النسوية الإسلامية لاختراق الأرياف المسلمة حيث تضئ تقدمية الشريعة بإزاء رجعية الأعراف الأهلية. لم تتدارك التيارات النسوية العلمانية ما بعد فاطمة هذه التناقضات من موقع إيجابي مشغول بتوطين ثقافي لتحرير المرأة أو تحرير المرأة وتحرير الثقافة معا وكان أغلب جهدها حقوقي الطابع يترصد مواقع التعارض بين الشريعة كقانون مطبق في السودان وبين المواثيق والشرائع الدولية. أعمت هذه النظرة الحقوقية النسويات ما بعد فاطمة عن تناقض حيوي في صلب التصور الإسلامي للمرأة. كتبت مي غصوب في ١٩٨٧: بصورة من الصور لم يقلل الإسلام من شأن المرأة على الإطلاق بينما يفضح التراث الإسلامي رهابا من المرأة ومن قوة رغباتها ومطالبها وقدراتها
نفت غصوب عن الإسلام الصيغة المسيحية لدونية المرأة وقالت اعتبرها فتنة، جميلة آسرة نافرة وثائرة، ومن ثم جند التراث الإسلامي الموارد الذكورية للسيطرة عليها. ردت غصوب الفكرة الإسلامية عن المرأة ككائن نشط اجتماعيا وجنسيا إلى أصل في مجتمعات العرب البدوية ما قبل الإسلام وقالت ورث هذه الفكرة وأعاد تركيبها فمن ناحية أقر بحق المرأة في إدارة شؤونها الاقتصادية باستقلال واعترف بملكيتها كما أجاز فعالية رغباتها في تصوره للجنس ومن ناحية أخرى أطبق على المرأة بقواعد الحجاب والفصل بين الجنسين بسبب التهديد الذي تمثله هذه الحيوية لأمن الرجال.نقلت غصوب عن فاطمة المرنيسي أن الإسلام لا يعتمد فرضية دونية المرأة بل على العكس يقر إمكانية المساواة بين الجنسين. بذا فأن عدم المساواة المعاش في المجتمعات المسلمة لا يقوم على تصور بيولوجي أو آيديولوجي لدونية المرأة بل هو نتاج مؤسسات اجتماعية قامت للجم قوتها. تخلص غصوب مع المرنيسي إلى أن العقيدة في إمكانيات النساء حسب التصور الإسلامي تعد بتطور العلاقات بين النساء والرجال في السياقات الإسلامية في اتجاهات مختلفة جدا عن السياق الغربي. يتردد طرف من هذه المعاني في صيغ أخرى عند االنسويات الإسلاميات. ترد وصال المهدي على سبيل المثال مظالم المرأة المسلمة في السودان إلى تصورات ذكورية عربية عن المرأة وليست بالضرورة إسلامية وتقول إحسان الغبشاوي أن الفقهاء الرجال هم من فسروا النصوص الدينية بما يوافق هواهم.
كما اغتربت النسوية العلمانية عن هذه الموارد الثقافية لنصرة المرأة منعها الانشغال بالصراع الحقوقي ضد الإسلاميين ودولتهم عن النفاذ إلى الجوهر العلماني في التجربة الإسلامية. جر الإسلاميون الدين إلى الحلبة السياسية معتقدين أن الدين سيضمن صلاح السياسة بينما كانت النتيجة إخضاع الدين لصراع القوى التقليدي في المجال السياسي وإفراغ المجال الديني وقت تطابق مع قوة السلطان من محتواه كمقاطعة للمعاني الروحية وملجأ من المظالم الاجتماعية ومنبر للاحتجاج. بذلك تتواضع فعالية التمييز الذي اعتمدته كل من هيل وبدري بين النسوية العلمانية وقرينتها الإسلامية فهو يصلح لرسم حدود الصراع السياسي لكن تتضاءل كفاءته متى استقام السؤال عن تحرر المرأة وليس فقط مصالح سيدات الوسط النيلي المحتشمات كما في تبكيت هالة الكارب على فاطمة. 
إلى ذلك، يثير التقسيم بين علماني وإسلامي غبارا كثيفا يطمس الوحدة الطبقية بين الإثنين، وهذا مما جاءت به ليف  تونيسون التي عابت على الطرفين التلاعن بالنصوص، ومثلت لذلك بالصراع حول المصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة اختصارا باتفاقية سيداو. بشرت النسوية العلمانية بالاتفاقية باعتبارها استحقاقا كونيا ورفضتها النسوية الإسلامية من موقع النسبية الثقافية مشيرة بدلا منها إلى النصوص الإسلامية التي تعلي من شأن المرأة، وفي كل غاب التحليل الملموس للواقع الملموس بعبارة لينين. شرحت رجاء حسن خليفة لتونسون مفهوم القوامة في الإسلام كما تراه بمثال من موقعها الاجتماعي. قالت: بواب هذا المبنى - تقصد مقر الاتحاد العام للمرأة السودانية - مسؤول ماليا عن زوجته وأسرته لكني هنا المسؤولة، أنا في قمة الهرم وعليه أن يقوم بفعل كل ما أقرره عليه. تصور النسويات الإسلاميات هذا التناقض بين المساواة أمام القانون في المجال العام والقوامة وحق النفقة في المجال الأسري باعتباره ميزة إيجابية للمرأة المسلمة فالمرأة المسلمة يمكن نظريا أن تتسنم المنصب الأعلى في الدولة لكن زوجها يظل مسؤولا عنها ماليا في المجال الأسري. لا تكتسب هذه الميزة معنى يذكر سوى في حيوات بنات الناس من سيدات الطبقات العليا والوسطى المحتشمات. كانت رجاء تنظر إلى عقدة القوامة والنفقة من نافذة عليا في مبنى خرطومي متعدد الطوابق وغابت عن ناظرها حيوات النساء العاملات في السودان الزراعي الرعوي بل وتقرحات الحياة الحضرية حيث النفقة مادة للصراع القضائي ضد أزواج هاربين. 
من جهة آخرى، لم تسعف الوثائق الدولية على حسن صياغتها وشمول معانيها النسوية العلمانية كثيرا في مجابهة القضايا التي قالت هالة الكارب أن الاتحاد النسائي على خطة فاطمة لم يتسع لها. انتقدت هالة الكارب جغرافية الاتحاد النسائي على خطة فاطمة وقالت ضاقت بتنوع نساء السودان وتعددهن. لكن لم تجترح القوى النسوية التي خلفت اتحاد فاطمة خطة لتجاوز الحواجز العرقية والدينية والثقافية التي قعدت بصاحبات الثياب البيض في الاتحاد النسائي واستمر حرثها في دوائر الوعي من الطبقات الوسطى والعليا. بطبيعة الحال، سعت هذه القوى إلى تجنيد سيدات من الهامش لكن ظل نشاطهن في الحلقات النسوية الخرطومية في مقام الاستثناء الذي يثبت القاعدة. علة ذلك ربما أن هذه الحلقات تعسر عليها النمو المحلي بما يفوق لعب دور الوكيل لنسوية دولية عابرة للقارات منجزاتها سلسلة من المؤتمرات الدولية والوثائق وأوراق العمل الأكاديمية وشبه الأكاديمية والحملات الدولية بحيث يتطلب الاندراج فيها مقدرات لغوية وعملية ومهنية لا تتأتى لمن تكابد من أجل الفوز بالنفقة في محكمة ريفية. 
بين هذه النسوية  الدولية وبين النساء واقعا أو في لغو المجتمع المدني ال(grassroots) ساحات من الصراع التحرري ولجنها النساء بالمبادرة الفردية وصيغ التضامن المحلية بلا وثيقة. لكن، أليست مهمة النسوية الأكاديمية، كما تقول البروفسورة بدري، الفكر، والممارسة محلها المنظمات النسوية المنبثة في المجتمع المدني؟ لا يعفي تقسيم العمل المقترح هذا عن التساؤل حول نجاعة الممارسة النسوية في صيغها الجديدة، منظمة ومركز دراسات ومبادرة، بل ربما يعضد أهمية هذا التساؤل ما دامت تفرغت صفوة نسوية أكاديمية لتحصن الممارسة بالفكر والتخطيط. هل انغرست للنسوية الجديدة جذور شعبية وتحققت للنساء السودانيات بتنوعن وتعددهن كما في دعوة الأستاذة هالة الكارب شوكة ترد عنهن مظالم التمييز وتحقق لهن المساواة في المجالين العام والخاص؟ هل غذت هذه الممارسة النسوية نضالات النساء بصيغ فعالة من التنظيم والعمل؟ هل استطاعت هذه الممارسة أن تحتل جغرافية ممتدة للتضامن تفوق حصرية سيدات الوسط النيلي من الطبقات الوسطى والعليا؟ أم بالجهة المقابلة استحالت إلى أجهزة إرسال واستقبال لبيروقراطية نسوية دولية، فروع عن أصل مهمتها في أفضل الأحوال المرابطة عند المساحة بين الدولة ومواطناتها في انتظار جناية حقوقية تلو الأخرى؟ كيف ولما غاب عنها الجوهر الطبقي لهذه المظالم وما يتصل بها من تحولات في هيكل الاقتصاد السياسي الناشب بأظفاره في أجساد النساء اللواتي أجبن بعبارة يا ريت عندما سئلن عن القوامة والنفقة؟

استفدت في هذه الكلمة من:

- Balghis Badri (2006) Feminist Perspectives in Sudan, Free University Berlin.
- Sondra Hale (1997) Ideology and Identity: Islamism, Gender and the State in Sudan in Judy Brink and Joan Mencher (eds.) Mixed Blessings: Gender and Religious Fundamentalisms Cross Culturally, Routledge, London.
- Balghis Badri (n.d.) Sudanese Women and Sharia Law, Ahfad University for Women.
- Ruediger Seesemann (2005) Islamism and the Paradox of Secularization: The Case of Islamist Ideas on Women in the Sudan, Sociologus 55.
- Carolyn Fluehr-Lobban (1987) Islamic Law and Society in the Sudan, Frank Cass, London.
- Mai Ghoussoub (1987) Feminism-or the eternal masculine-in the Arab world, New Left Review 161.
- Fatima Mernissi (1975) Beyond the Veil: Male-Female Dynamics in Muslim Societies, Schenkman, Cambridge, Massachusetts.
- Liv Tønnessen (2011) Feminist Interlegalities and Gender Justice in Sudan: the Debate on CEDAW and Islam, Religion and Human Rights 6.
- Salma Ahmed Nageeb (2004) New Spaces and Old Frontiers: Women, Social Space and Islamization in Sudan, Lexington Books, Oxford.
- Amal Hassan Fadlalla (2011) State of Vulnerability and Humanitarian Visibility on the Verge of Sudan’s Secession: Lubna’s Pants and the Transnational Politics of Rights and Dissent, Signs 37.
- محمد ابراهيم نقد، المجتمع المدني العربي يواجه خطر التحول إلى شاهد زور، البيان الإماراتية ١٤ مايو ٢٠٠٣

Thursday, 16 August 2018

”كل منزل بالكنيسة يقيم عزاء“

أتسبح أجساد الأطفال ال(٢٢) في طريقها إلى المدرسة؟ أفرادى هذه الأجساد أم اجتمعت في عطش الحياة وسط ماء النيل؟ أي وحي نزل على هؤلاء الرسل الصغار في برهة الحياة الأخيرة؟ قال خبر الدولة: وقع الحادث نتيجة توقف المركب وسط النيل مع اشتداد التيار وصمت عن الحقيقة. نعى معتمد محلية البحيرة اللواء أمن عبد الرحمن محمد خير، الغرقى كما نعاهم اتحاد الطلاب. واندس كل في كلماته. نطق ابراهيم حسن، مزارع من المنطقة، بطرف من الواقعة، قال: المراكب في هذه المنطقة قديمة رغم أنها تعمل بواسطة محركات. أكد شاهد لوكالة أنباء أن ٩ من التلاميذ نجوا، عادوا من لج الموت بالحياة. قال أحدهم من أبناء منطقة الكنيسة، وحدة كبنة الإدارية بمحلية البحيرة: كل منزل بالكنيسة يقيم عزاء. قال شاهد آخر: المركب كان يسير من الشمال إلى الجنوب، عكس سريان النهر. 
ماذا بذهنك الساعة يا عبد المنعم، أفعلها هذا اللنش؟ أكان هو الموت، ذلك الذي فر من عيون الإثنين هذا الصباح؟ أيبدو الموت هكذا؟ أهو تلك البسمة الأخيرة، أتلك علامته؟ أم كانت يا ترى تلك الهمسات السكرى بالحنين وقد استغربتها في وقتها بالأمس، يابا..يابا جيب لينا معاك... ذهبن الخمس، بنات البصيري، أكاليل من لحم بارد تعطن بورد الطفولة في بطن النهر. أفداء هذا يا ترى أم علامة، أم هي رموز غامضة من المستقبل تبلدت عقولنا فلم نعد نقوى على استقبالها؟ نجت ابنتك يا بخيتة وعبر الولد إلى ضفة من نرجس ونور. أكشفت لك سر أخيها وسر من أنقذها وقد صارا إلى الماء يا أيتها الأم، ربما أشارت لك بإشارة تفهمينها أنت فقط. أفيك كلام أم كسر الموت حجاب اللغة فصارت قطاف سراب. أي ملك موت هذا الذي خطف الثلاثة معا يا عفاف؟ كيف تبكي أم على أطفال ثلاثة؟ أفي الوجود صمت يكافئ هذا الألم؟ أيمكن الصمت على الصمت؟ قيل لكل منا قيامة، فلمن هذه القيامة يا سعد، لمن يا علوبة، لمن يا دفع الله ويا محمد الحسن. إن الله مع الصابرين. 
أهو ذنبكم إذن يا أهل الكنيسة والسعداب وسربجي؟ لما تسكنون ديارا تقع إلى الشمال من مدارس كبنة عبر النهر؟ لما ترسلون أطفالكم كل صباح إلى المدارس عكس التيار في قوارب لا تحتمل صدمة شجرة؟ أهو ذنبك يا عبد المنعم سيد اللنش؟ ولما لنش؟ أفيكم شيخ طريقة يا ناس يفهم هذه الصمت الذي يتحدث به الأطفال من مراقدهم في ضفة النرجس والنور والحرير؟ أفيكم من يقرأ في الماء حروفهم الطلسمية؟ أفيكم من يكشف هذى الأسرار المحبوسة في طي النهر، مكتوبة بأطراف الجثث وزي التعليم والشنط المحشوة كتبا وكراسات وأقلام، حسن وجيد وجيد جدا، جداول من الضرب المبرح وأحمر التقويم أسفل التمارين. ما هو المعنى المحبوس في صمت التلاميذ الأموات، بالنار الرصاص أو بركام الحيط أو بالماء الفائض في الرئتين أو بالمسغبة؟ أقدر هذه الجغرافية أن ترسم أقاليمها بالجثث على خرائط من صمت الأمهات الإلهي؟ أيصبح عليك الصبح يا أم العيال بشمس كشمس الأربعاء الصفراء. قيل لا تسافروا في الأربعاء! أما سمعتم بهذا يا أهل الكنيسة والسعداب وسربجي؟ أكان الموت هو ذلك الأشعث الغريب الذى صلى المغرب يومها بجامعكم وطلب حق الله فغلبتكم أنفسكم؟ كل منكم حسبها، العيش، الخدار، المصاريف، الرسوم.. وأدرتم وجوهكم بصرة ونصف خجل الله يفتح علينا وعليك. أنت يا عبد المنعم، ألم تدس يدك في جيب جلابيتك تتحسس الباقي وصددت النية؟ والأطفال، ألم يصدحوا هذا الصباح جميعا في اللنش ببسم الله؟ 
قال خبر أن الأطفال اعتادوا الذهاب بنفس اللنش كل يوم إلى المدارس في كبنة. يعبر اللنش مجاري الماء التي نشأت عن بحيرة سد مروي فوحدة كبنة الإدارية هي من خلاقة السد، كتلة الأسمنت التي تسيدت النهر في أرض المناصير. تمتد البحيرة لمسافة ١٧٦ كيلومتر من الشلال الرابع عند جزيرة مروي حتى جنوب أبو حمد. الله لا يبارك في الأسمنت. تقع الكنيسة والسعداب وسربجي وجثث الأطفال ضمن محلية البحيرة وتضم فيمن تضم من رفضوا النزوح بعيدا عن الديار التي غمرتها بحيرة السد وفضلوا الخيار المحلي، أي التوطين في مواقع حول البحيرة ولم ترض عنهم لا الدولة ولا بحيرة السد. أحمدوا الله على اللنش الليل عبد المنعم. بلغت تكلفة سد مروي حوالي الثلاثة مليار دولار وأرواح أطفال. كم يبلغ ثمن الطفل الواحد يا ترى؟ كتلة الأسمنت التي تشق جثة النهر استثمار مشترك لكل من حكومة السودان وجمهورية الصين الشعبية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية والصندوق السعودي للتنمية وصندوق أبو ظبي للتنمية وحكومة سلطنة عمان وحكومة دولة قطر لكن جميع هذه الأطراف لم تر في ترحيل أطفال الكنيسة والسعداب وسربجي إلى مدارسهم بأمان كل صباح ضرورة تنموية فتصدى لذلك عبد المنعم بلنشه من وإلى كبنة وكبنة ثابت ذكرها في صفحة تنك لوري الحسن علي عون الله من جناين كبنة. قصد الأطفال جناين كبنة ونزل بهم الماء في محيطها السرمدي. 
قال شاعر المناصير عكاشة علي خميس (توفى ١٩٣٩) في مدح الشيخ الجعلي راجل كدباس: بجيب القول على الأشقر، أبونا الفوقو نتبطر، شيخنا الماهو شيخ عسكر، سفينتك بالبحر والبر، فمن شيوخ العسكر يا ترى؟ أيقصد أصحاب الجلاليب البيض الناطقين بصمتهم؟ أيلقى الأطفال بشنط المدرسة راجل كدباس في ممره السماوي حيث عبر؟ أيسألهم من وين أولاد الأهل؟ أيردون عليه من جناين كبنة؟ أيلقون حاج الماحي (والمناصير يحسبونه منهم) في معابر الجنان يا ترى وهو القائل في شأن التمساح : يا رحمن ارحم بي برك، يا حافظ في بحرك وبرك؛ في وليانك أطلق سرك خل نيشاتن الليتحرك؛ آمين آمين يا كاشف الغمة، جنب ها الدابي تصبحو رمة؛ تسلط واحد أيدو مدمة، يعجل قتلو قبيح القمه حتى بلغ بعد أن حشد لنصرته الأولياء والصالحين، إبن إدريس والعركي والسماني والتازي والدسوقي والرفاعي والشبلي والراعي و…:شئ لله يا أهل الدايرة، يا الفي الكون أسراركم سايره؛ أرخو السر في السحره الغايره، خلو الدايره التصبح نايره؛ وينكم لي وينكم يا قومنا، سهرانين نحسب في نجومنا؛ التمساح حجر لي عومنا، إن ما جيتونا عليكم لومنا؛ وينكم وينكم يا ديله، يا أهل الحضرة الليله الليله؛ اجتمعوا وخلو البهديله، التمساح أحموهو الشيله. الأموات أرحم لا بد بأرواح الأطفال من الأحياء.. فقد بلغهم معنى الركض الطفولي بغير هدف. بلغهم سر الضحكة المبذولة سهلة طيعة بلا مناسبة، لا هزء فيها ولا سخرية. بلغهم معنى اكتمال الحياة في وجنتين لاهجتين بالأمل. بلغهم معني البرق الآسر في عينين تحدقان في أفق لا يراه سوى الأطفال والأنبياء. بلغهم أن ثروات الدنيا لا تحشو كفنا ولا تستنطق صمت الأمهات المكلومات، بلغهم أن صفاء الطفولة هو شاهد الإنسانية الوحيد. بلغهم أن الموت لا يكفي عقابا لمن يفسد الحياة. 

Sunday, 12 August 2018

مجلس الشورى: صمتكم والجلاليب البيض

أقر مجلس شورى المؤتمر الوطني في اجتماعاته الخميس والجمعة جميع ما كان يتوقع منه، لم يخالف السيناريو المرسوم له ولا في نطق الحروف. أجاز المجلس المكون من ٤٠٠ فرد مقترحا لتعديل نظامه الأساسي يرفع الحرج الإجرائي عن إعادة ترشيح البشير بعد أن كان الحزب الحاكم ألزم نفسه باقتصار أمد قياداته بدورتين. أدخل التعديل المقترح على هذا الإلزام الذاتي استثناءا مفتوحا بيد مجلس الحزب القيادي. من ثم نطق الحزب الحاكم بالمعلوم من نيته وأعلن البشير مرشحه لانتخابات الرئاسة في ٢٠٢٠، الأمر الذي يستوجب تعديل الدستور الساري والذي يحصر بدوره أمد الرئاسة بكرتين. 
تغزل الهندي عز الدين، صاحب المجهر، في اجتماعات الوطني ودلل بها على فعالية الحزب الحاكم ونشاط مؤسساته. قال الهندي أن المشهد الذي رأي الناس من الوطني انعدم في بقية الأحزاب، المشارك منها في الحكم والمعارض، فهي غدت في تقديره جماعات أو تيارات فضفاضة لا تتقيد بمشروع فكرى... بكت الهندي على حزب السيد محمد عثمان لغياب صاحبه الطويل عن البلاد وزاد أن الأحزاب عدمت البديل المقنع الذي تقدمه للناس وأعجزها عن التطور تطاول العهد بقياداتها. لم يخالف الهندي الحقيقة في بعض الذي ذهب إليه لكنه صمت عن كثير في حزبه المفضل فهو كان استثناءا عن السنة التي شرح لكن لم يعد كذلك منذ أن استقر فيه السلطان لرجل واحد يؤشر فيطاع. 
وصل المؤتمر الوطني ذات المحطة التي وصف الهندي في كلمته، فحزب الحكومة ظل لصاحبها، اجتماعاته معارض لكي الجلاليب ولف العمم ومؤتمراته مهرجانات للسمع والطاعة، منتهى وظيفتها الصورة الإجرائية فالقوة مهما بلغت تلزمها صيغ إجرائية تعبر عنها ويخزيها العري فتطلب الستر في غلاف الطقوس الجماعية. الملك ميزته الزينة، وقيادات الوطني محض زينة انتهت دورة حياتهم السياسية بطأطأة الرؤوس وتقبيل اليد العليا. شجع الرئيس في خطابه لشورى الوطني الجالسين أمامه على التصريح، وقال لهم اجتنبوا التدليس وتحدثوا بصدق حتى نفلفل أمورنا كلها فلفلة وأعلن الشورى موضع قوة للمؤتمر الوطني وقال قرارات الشورى ملزمة لأفراد المؤتمر الوطني وأجهزته في الدولة والمجتمع. 
يعلم الرئيس علم التمام ألا شورى بين يديه وأن سلطانه حبس كل رأي سوى رأيه فمخالفيه المصرحين في مسألة تجديد ولايته غابوا عن شورى الوطني وبثوا شكواهم للأثير. قال أمين حسن عمر، عضو قيادة الوطني المناهض لإعادة ترشيح البشير، أن قرار الشورى مخالف لنظام الحزب وللدستور الحاكم، كتب: ليس من حسن العهد تقديم توصيات تخالف دستور الحزب ودستور الدولة. لم يصرح أمين برأيه هذا في مجلس شورى الرئيس وبين يديه بل اشتكى مثل كل مراقب للأحداث للمعارف والأصدقاء برسائل قصيرة، واتس آب: جك جك، جك جك، بنق! 
البشير الذي لا يمل تكرار نفسه أعاد على مجلس الشورى الحديث المعلوم عن استهداف السودان وعن تمنع حكومته على الإملاءات الخارجية. وعد البشير الذي أقر بالأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد بأن حكومته بصدد وضع حل نهائي لمعضلات البلاد في المعاش وقال قريب إن شاء الله. جزم البشير أن الشورى ستكون بداية انطلاقة نفير يؤدي بموجبه كل قيادي في المؤتمر الوطني دوره ساهرا لا ينام في برنامج قصير المدى لمعالجة قضايا الاقتصاد وآخر طويل المدى للنهضة به. كما قال أن السلام في جنوب كردفان والنيل الأزرق لا تفصلنا منه سوى شوية سمكرة أما في دارفور فقال عدمت المتمرد، لا يضر أمنها سوى شوية حرامية ستلاحقهم القوى الحكومية أينما كانوا، في جبل أو غابة. طلب الرئيس في آخر كلمته من المستمعين ومن المواطنين شوية صبر ليس إلا وبعدها السودان دولة عظمى بإذن الله، وقال ذلك وعد الصابرين بعد أن اختلطت عليه الآية الكريمة. 
جلس قادة الوطني، نساءا ورجالا، أمام الرئيس الذي بلغ حديثه ١٢ دقيقة مستمعين وقد انعقدت وجوه بعضهم كأنما ينتظرون مفاجأة وتبسم آخرون كأنما الأمر فاصل تسلية على طريقة حلاوة رئيس. قال رئيس شورى الوطني وعريف الحفل، كبشور كوكو، أنهم متشوقون لحديث الرئيس أو كما قال: الأخ الرئيس.. يعني. لم يحدث أن رأينا القاعة ملأى بهذه الصورة. وهنالك يعني مذكرات الناس يحيطون بالقاعة.. يعني..هه.. يعني خارج القاعة يوجد أشخاص كثر يودون الدخول.. يعني..أعتقد أن في حديثك ما هو شيق ومفيد كالعادة فتفضل هه.. هه..هه.  تساءل الرئيس عن الميكرفون ثم بدأ في التكبير والتهليل والأصوات تردد خلفه والسبابات الممدودة تجاري لحنه. الرئيس الذي ربما أدرك طرفا من السخرية الساكنة في حديث كبشور رغما عن المتحدث وجد العذر لنفسه وقال ليس أكثر من التكبير والتهليل تشويقا. 
أليس في تركيب هذا المشهد الذي أعجب الهندي فلهج به، عناصر المسرح جميعها، ممثل نجم وجمهور وسيناريو معلوم يحفظه الجمهور ويتنظر من االممثل أن يضيف عليه تنويعا جديدا مبتكرا، طرفة أو حركة أو إشارة مستحدثة ولذا التشويق. جود الرئيس فنه في الحقيقة وأصبح يضيف على كتاب محفوظاته عناصر جديدة كلما استطاع، البركاوي وما إلى ذلك. لا يستر أداء الرئيس المسرحي الحقيقة بل يكشفها شاخصة في صورة كوميدية، فهو كأنه يقلد نفسه، حديثه في مقام السيناريو الهزلى يتسلى به الجمهور، الجالسون أمامه والمحيطون بالقاعة يريدون الدخول. لقد غادر السودان في الواقع محطة البشير منذ زمن وهو لا يقوى سوى على التسلية، تسلية المشجعين مثل الهندي وكبشور والساخرين منه على السواء. أما الحياة التي يريد القبض عليها فتدور رغما عنه وبمقاومة سلطته. 

Tuesday, 7 August 2018

Back to the future: Khartoum’s 'peace' in South Sudan

“Oil will start pumping dear [President] Salva [Kiir] so you can give your opponents cars and offices” President Bashir told his guests, signatories of South Sudan’s newest peace deal and attending dignitaries and the hundreds of South Sudanese who assembled in Khartoum’s Chinese-built Friendship Hall on 5 August to witness the ceremonial end of Khartoum’s bid to bring ‘peace’ to South Sudan. President Bashir uttered in clear terms the kernel of truth at the heart of the wizardry of power-sharing formulas that constitute the letter of the deal. The weaker among the belligerents at the table complained repeatedly of the tough arm of the Sudanese security services, the effective mediators of the agreement. 
What matters, President Bashir declared that South Sudanese oil will start pumping again from South Sudan’s Unity oil fields to Sudan on 1 September. Some in Khartoum claimed that the Sudan TV crew that covered the celebrations all suffered food poisoning after helping themselves to the free for all falafel sandwiches. Salva and Riek were probably spared the ‘vegan’ option. 
The final power-sharing arrangement was born out of the Entebbe proposal, a sloppy numerical solution to the complex crisis in South Sudan devised by presidents Bashir and Museveni of Sudan and Uganda with President Kiir of South Sudan and his archival Riek Machar attending. The muscle diplomacy was so potent the notetakers who drafted the initial 5 point proposal on power sharing misspelled President Salva Kiir’s name. The presidency according to the 7 July Entebbe statement was to be composed of Salava (sic) Kiir as President, Dr. Riek Machar, Taban Deng Gai, James Wanni Igga and an unnamed woman as vice presidents. 
Before developments got that far Khartoum was celebrating; the arguments between the South Sudanese warlords around the arithmetic of the arrangement were but a side-show. The jubilant stick-dancing on 6 July in the command headquarters of the Sudan Armed Forces (SAF) joining Sudan’s spy chief Salah Gosh in a flowing jellabiya and South Sudanese politicians in their elegant suits was the in-house version of the celebration on 5 August. The performers on commission of the NISS bellowed the lyrics of an old Sudanese tune “Juba what to do you have against me?”
Well, Gosh had good cause to rejoice. The South Sudanese belligerents had just agreed to grant Khartoum and Kampala immediate monitoring capability over their military affairs in their capacity as leading members of a restructured and reconstituted Ceasefire Transitional Security Arrangements Monitoring and Verification Mechanism (CTSAMVM) in the last article of a four pages transitional security arrangements agreement following on the ceasefire declaration signed by President Kiir, Riek Machar and leaders of other South Sudanese factions in Khartoum on 27 June. No one expects the agreement to hold as such. What matters is that it formally endorses the authority of Khartoum and Kampala over the power calculus in Juba and allows that authority to operate openly. Khartoum cannot be accused in meddling in South Sudanese affairs anymore, it is an invited actor on a busy field that it cannot afford to vacate. 
Adequately timed, Khartoum delivered on 4 August a second batch of proposals to Washington on the normalisation of ties between the two countries in line with the ‘Five Track Engagement Plan’ in which Khartoum agreed to a cessation of hostilities against armed groups, unfettered humanitarian access to conflict-affected areas, support of efforts for peace in South Sudan and further cooperation with the US on counter terrorism in the region. Washington has so far lifted its 20 years old economic sanctions regime on Khartoum but did not remove Sudan from its list of state-sponsors of terrorism thus barring Sudan further from access to debt relief and international financial assistance. 
Attendant at the Friendship Hall celebration was President Museveni of Uganda. He apparently flew in for the occasion directly from his farm and had no time to put on a proper statesmanly suit. He was so concerned about his decorum that he apologised to the guests and the crowd and blamed President Bashir for the sartorial mishap asking for a cow in compensation in keeping with alleged Ugandan custom. Uganda’s military intervention in South Sudan was welcomed in Juba and hailed by some as an African version of ‘humanitarian intervention’. Khartoum was not amused. Ugandan troops entered South Sudan just five days into the outbreak of conflict in Juba on 15 December 2013. At the time, Kampala argued that it had amongst other reasons been invited by the government in Juba to maintain security and order. Indeed, President Kiir’s government signed a Status of Forces Agreement (SoFA) with the Ugandan government on 10 January 2014 allowing the Ugandan army to operate in South Sudan.
Kasaja Philip Apuuli, a Makerere political scientist, analysed at length the multiple declared motivations of Uganda’s military involvement in South Sudan to conclude that it’s the economy stupid. South Sudan, he explained, has since 2007 been the single largest recipient of Ugandan exports. Apuuli quoted an estimate from the Bank of Uganda from January 2014 of 220 million US dollars worth of goods per month amounting in 2012 to an income of 1.3 billion US dollars, or a quarter of Uganda’s annual budget calculating by estimates from 2013-2014. Khartoum, perceived for all practical purposes as the patron at large of South Sudanese rebels, could at no juncture ground its involvement in South Sudan on any semblance of justification apart from Juba’s support for Sudanese rebel groups. Now, it co-leads the CTSAMVM if you recall what that is and has ample opportunity to ‘manage’ South Sudan's military-bureaucratic elite comfortably hosted in the SAF headquarters. 
If South Sudan is a treasure chest for Uganda, South Sudanese oil is the lifeblood of Sudan’s economy. The loss of oil revenues following the independence of South Sudan in 2011 left Khartoum’s finances in shambles, a situation made ever more acute by the failure of President Bashir’s successive cabinets since to work out any alternatives. At the height of production back in 2008, crude petroleum exports at production levels of around 500 thousand barrels per day (bpd) amounted to 2.53 billion US dollars or 84% of Sudan’s total exports. Today, Sudan produces around 100 thousand bpd, an amount that is not even sufficient to grease the machinery of kickbacks and racketeering that facilitates oil operations in the first place, hence the inability of the government of Sudan to maintain its only functional refinery in Khartoum. The Khartoum refinery has been on and off for the past year or so for lack of repairs and the Port Sudan refinery was finally decommissioned in December 2017. As a consequence Sudan has been in the throws of a punishing foreign currency deficit and a consequent fuel crisis over the past few years. 
Khartoum's response to its economic malaise has been a combination of bluff and security measures. Already in 2012, Sudan declared that it had earned 2.2 billion US dollars that year from gold revenues. A similar figure was quoted repeatedly under the title of a Qatari loan and again a Saudi loan. There has been indeed a gold rush of sorts in Sudan’s northern regions pioneered by artisanal miners working under treacherous conditions and unwilling to surrender their precious produce to the Bank of Sudan, which initially claimed monopoly of purchase and then relaxed its ineffectual policy allowing private producers in March 2017 to export 60% of their production and sell the remaining 40% to the Bank of Sudan. The Bank reversed course again in November 2017 declaring a monopoly on the purchase and export of gold with the exemption of licensed companies which were permitted to export 70% of their production and sell the remaining 30% to the Bank of Sudan. This exemption was then annulled in February 2018 with a presidential declaration of an outright monopoly of the purchase, sale and export of gold. 
According to the available figures, gold currently amounts to 33% of Sudan’s exports, the government maintains however that 90% of gold production is smuggled out of the country, a figure that is employed as an excuse for the economic meltdown in the country and as a license to securitise the gold mining sector. The Ministry of Mining reported that around 2 million people are directly or indirectly involved in the artisanal mining sector which according to government figures contributes 90% of gold production while a list of 370 medium- and large-scale companies, 102 of which are foreign, hold concessions in 120 locations but contribute only 10% of gold production. To buy the gold it wants so badly to turn into foreign currency the Bank of Sudan is at great pains to offer competitive prices to producers in order to discourage smuggling and has resorted to printing cash, thereby driving inflation upwards and the value of the Sudanese currency steeply downwards. 
The government’s attempts to increase its share of gold capture has recently translated into a crackdown on individuals and entities accused of involvement in credit creation for financing gold purchases. In March this year the National Intelligence and Security Service (NISS) arrested the director general of Faisal Islamic Bank and the chairman of the board of directors of the Islamic Insurance Company on accusations of corruption. The list of detainees included over the past months the directors of three prominent oil companies, several businessmen and and the deputy chairman of the board of directors of the Bank of Khartoum. To formalise the new authority of the NISS, President Bashir and Salah Gosh inaugurated on 30 July a new directorate of the security service tasked with the combat of corruption. In its quest for rent, an exasperated President Bashir is axing at his own political base. 
It is under these circumstances that Khartoum seeks some working arrangement between the South Sudanese belligerents to enable the resumption of oil production in South Sudan, and hence shore up its finances through the terms of the 2012 post-secession arrangements agreement between the two countries. Under the terms of the deal, South Sudan still owes Sudan 1.3 billion US dollars worth of oil, an equivalent of 8 years worth of oil production at current prices. South Sudan had agreed to pay Khartoum 3 billion US dollars in compensation for the loss of oil as well as 26 US dollars in fees for each barrel of oil exported through Sudan. In the fiscal year 2015/2016 the International Monetary Fund estimated that Juba accumulated 291 million US dollars in payment arrears related to the 2012 agreement. 
The essential component of the deal from Khartoum’s perspective, it follows, is the clause included already in the 27 June Khartoum Declaration surrendering the security of the oil fields to the Sudanese army in coordination with Juba and providing for immediate resumption in collaboration with the Sudanese government of the rehabilitation of damaged oil installations in the Unity region, blocks 1, 2, 4 and 5. Sudan and South Sudan agreed a day earlier to double oil production form South Sudan’s oil fields by the end of the year. Earlier in the month, on 7 June, Juba had declared an agreement with a visiting delegation from Khartoum to repair South Sudan’s damaged oil fields. On 9 July, a Sudanese delegation was in Juba to discuss technicalities of rehabilitation and re-operation. Technical teams from Sudan’s Ministry of oil inspected oil fields in South Sudan and scheduled further visits once security was ensured. 
Judging by precedence and intent, Sudan’s predatory stance is no novelty. Khartoum and Juba had signed already in September 2017 an agreement to increase oil production in South Sudan with Sudanese assistance. Luke Patey, an expert on the oil industry in Sudan and South Sudan, said the trend was “a reversal of the economic independence South Sudan won after separating from Sudan”. Indeed, on 19 July South Sudan’s Minister of Oil said Sudan and South Sudan have effectively deployed a joint border force to protect his country’s oil fields. Within two months, he said, we will produce oil from the fields of Unity and export it through Port Sudan. 
Khartoum’s ‘peace’ in South Sudan is reminiscent of its original war harking back to the knot that is Bentiu's oil fields. The Chevron camp close to Bentiu was the site of the 1984 rebel attack on oil workers. At the time, the Sudan government promised to protect the oil fields and began arming militias, initially from the ethnic Misseriya of neighbouring South Kordofan to counter the southern Sudanese rebels and subsequently from rival ethnic Nuer factions. This mission developed into a long-term campaign to depopulate the Dinka and Nuer communities around Bentiu and involved in the commission of Khartoum and the oil firms in its partnership the notorious militia formations that coalesced under the banner of the undead South Sudan Defence Forces (SSDF). President Bashir was probably involved directly in these undertakings. In the late 1980s, he was posted in al-Muglad of South Kordofan at the time when the government was recruiting militia forces to fight the Sudan People’s Liberation Army (SPLA) and he was in Unity’s Mayom doing the same until a week before the putsch that brought him to power in Khartoum. The liberation leaders of yesteryear dine today around his table, their flag shredded into napkins, expectant of cars and offices.