Sunday, 6 April 2025

وعيون الشيخ أغمضن على حلم به كون كبير

رحل عن عالمنا إلى دار البقاء في ٢٩ مارس من العام ٢٠٢١، وقد مرت ذكراه منذ أيام، الدكتور التجاني، من نهل من كؤوس العلم والأدب حتى ثمل ورطن فتعسر في كثير من الأحيان على الجاهل إدراك صفاء معانيه. وكان شيخ التجاني حبرا بحق. لزم كتاب نفسه فنضى عنه الحجاب وكل درن وأدرك ببصيرة نافذة ما تراءى لغيره شبحا من خيال. 

كان المرحوم التجاني مدرسة للتعريب، وأحسن في حياته لغات عديدة، فالعربية داره وسكنه الأثير، والانجليزية التي تعلمها في المدارس تروس يديرها كما يشاء، والروسية التي أحسنها يافعا وتوطن فيها هي من ينابيع شاعريته، والإيطالية التي تعلمها شيخا نفذ بها إلى أقاليم شعرية وأدبية جديدة جدد بها فطنته الأكيدة. وأحاط كل ذلك بفصاحة أهله، ثمرة الحياة اليومية، فكان قاموسا للدارج الفصيح يعود بعسيره إلى أصوله في القريحة العربية ويستنجد به لفك طلاسم أدبيه في لغات أخرى. وكانت هذه المشكاة تتقد في قلب شيخ تجاني بالتنقل بين اللغات، من كل بستان زهرات، فتتحول روسية آنا أخماتوفا بنور مشكاته عربية خالية من العجمة، وتتكشف بنور فطنته أسرار أميلي ديكنسون التي دستها صاحبتها في أغلفة من شعر كثيف، وتنقلب انجليزية شكسبير بقنطرة روسية إلى عربية من مربعات إلى الدوبيت أقرب. 

تفرغ المرحوم الدكتور التجاني دهرا لتعريب سونيتات شكسبير وهي جنس خاص وقام بهذه المهمة وآخرون في سمنار دوري كان ينعقد كل جمعة، كان لكل من شارك فيه دوحة في خرطوم انخبلت بالاستهلاك وكرير بطنه الخالية أبدا، بيرغر في ساونا في هوت دوغ في شيكات طايرة. وكان للمرحوم التجاني صبر العارفين على حرث مثل هذه المعرفة العسيرة وصبر أعظم على المستعجلين على تفسير وإعادة تكوين جمل شعرية من القرنين السادس والسابع عشر لا يتكشف نصها بالنظرة الأولى. وألف وليم شكسبير (١٥٦٤-١٦١٦) السونيتات وعددها المحفوظ ١٥٤ على فترات متباعدة جرى نشرها كاملة لأول مرة في كراس تام عام ١٦٠٩ بحياة شاعرها، وتدخل في باب الشعر الغنائي من تقليد يعود إلى القرن الخامس عشر. ولها هيئة ثابتة، ١٤ سطر،  كل سطر من عشرة مقاطع صوتية، مقسمة إلى ثلاث مربعات وبيتين من الرجز. ومن أسرار سونيتات شكسبير التي شغلت النقاد وشغلت كذلك المرحوم التجاني «السيدة الداكنة» أو «السيدة الخدرا»، فهويتها ملتبسة، وقال البعض ربما «عربية». وتظهر «السيدة الخدرا» في السونيتات ١٢٧-١٥٢ ولؤلؤتها السونيتة رقم ١٥١، ألا رحم الله شيخ التجاني: 

السونيتة ١٥١

الهوى صبي لا يعرف وخز الضمير.

لكن، من ذا الذي ينكر أن الضمير وليد الهوى؟

فلا ترميني بالمذمة أيتها المخادعة الأنيسة،

رميتني بما فيك من الداء.

فإن خنت عهدي

فقد خان مني اللحمُ مضغة نبيلة.

تروم روحي من جسدي الانتصار في الحب،

واللحم لا يتعلل.

يهب قائما عند سماع اسمك

ويشير نحوك، 

يهلل وقد فاز بالغنيمة، يفاخر،

وقد أذله الكدح من أجلك.

ينتصب في شأنك،

وينبطح على صفحتك. 

لا أدعوها حبيبتي لعجز في الضمير، 

فلحبها الغالي أقوم وأقع. 

No comments:

Post a Comment

 
Creative Commons Licence
This work by Magdi El Gizouli is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.